التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5789 [ ص: 530 ] 87 - باب: ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

6140 - حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن أبا بكر تضيف رهطا فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء. فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا. فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا. قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه. فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن. فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن. فسكت، فقال: يا غنثر، أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت. فخرجت فقلت: سل أضيافك. فقالوا: صدق، أتانا به. قال: فإنما انتظرتموني، والله لا أطعمه الليلة. فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه. قال: لم أر في الشر كالليلة، ويلكم، ما أنتم؟ لم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك. فجاءه فوضع يده فقال: باسم الله، الأولى للشيطان. فأكل وأكلوا. [انظر: 602 - مسلم: 2057 - فتح: 10 \ 534].


ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن أبا بكر - رضي الله عنه - تضيف رهطا .. الحديث بطوله، وقد سلف فقهه أنه ينبغي استعمال حسن الأخلاق للضيف وترك الضجر، لكن يبسط نفسه ولا ينقبض ويسقط المؤنة والرقبة; خشية أن يظن أن الضجر والغضب من أجله، فذلك من أدب الإسلام وما يثبت المودة، ألا ترى الصديق لما رأى إباءة أضيافه من الأكل حتى يأكل معهم آثر الأكل معهم وحنث نفسه.

وإنما حمله على الحلف - والله أعلم - أنه استقصر ابنه وأهله في [ ص: 531 ] القيام ببر أضيافه، واشتد عليه تأخر عشائهم إلى ذلك الوقت من الليل، فلحقه ما يلحق البشر من الغضب، ثم لم يسعه مخالفة أضيافه لما أبوا من الأكل دونه، فرأى أن من تمام برهم إسعاف رغبتهم وترك التمادي في الغضب; وأخذ في ذلك بقوله - عليه السلام - : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير" . وكان (مذهبه) : اختيار الكفارة بعد الحنث.

وقوله: "بسم الله، الأولى من الشيطان". يعني: اللقمة الأولى إخزاء للشيطان; لأنه الذي حمله على الحلف وسول له ألا يأكل مع أضيافه، وباللقمة الأولى وقع الحنث ووجبت الكفارة.

وقد تقدم تفسير قوله: (يا غنثر). في الصلاة في باب السمر مع الضيف والأهل، ومر هناك شيء من معانيه، وسيأتي في الباب بعد هذا شيء من ذلك.

فصل: في بيان ألفاظ واقعة فيه:

قوله: (دونك أضيافك). هو إغراء يقال: دونك زيدا أي: الزمه.

ومعنى: اطعموا: كلوا. قال تعالى: فإذا طعمتم فانتشروا [الأحزاب: 53].

وقوله: (اقبلوا عنا قراكم) أي: منا قراكم، ومصدر قريت: قرى وقراء إذا كسرت القاف قصرت، وإذا فتحت مددت، والاسم قرى بالكسر والقصر.

[ ص: 532 ] قوله: (يا غنثر). هو مشتق من الغثر والنون زائدة مثل: غندر، والغثار، والغثر: سفلة الناس، الواحد أغثر كأحمر، وهو سب له ونقص، هذا الذي يظهر فيه. وقال أبو عبد الملك: لم أسمع أحدا يذكر اشتقاقه، ومعناه: كأنه اتهمه أن يكون فرط.

وقوله: (أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت). هو مشدد بمعنى (إلا) كأنه اتهمه عند سيبويه كما سلف. ويصح أن يكون مخففا وما زائدة.

وقوله: (لم أر في الشر كالليلة). يعني: في أكثر الأحوال، ذكره الداودي. ويحتمل أن يكون قال ذلك من كثرة اللغط.

وقوله: (الأولى من الشيطان) . يعني: يمينه. أي: كانت من الشيطان. وقيل: يعني: اللقمة الأولى; لأنه الذي حمله أن يحلف، وباللقمة الأولى وقع الحنث ووجبت الكفارة.

التالي السابق


الخدمات العلمية