1. الرئيسية
  2. التوضيح لشرح الجامع الصحيح
  3. كتاب الاستئذان
  4. باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها

التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5875 [ ص: 20 ] 6229 - حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا أبو عامر، حدثنا زهير، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوس بالطرقات". فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. فقال: "إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه". قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". [انظر: 2465 - مسلم: 2121 - فتح: 11 \ 8]


ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في نظر الفضل أخيه إلى تلك المرأة من خثعم، وأخذه - عليه السلام – بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.

وحديث أبي عامر -واسمه عبد الملك بن عمرو بن قيس العقدي- إلى أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوس بالطرقات". فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. فقال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه". قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".

الشرح:

قال ابن عباس: إنما هو (حتى تستأذنوا).

وكذا قال قتادة ومجاهد وإبراهيم.

وقال سعيد بن جبير: الاستئناس: الاستئذان، وهو -فيما أحسب- من خطأ الكاتب.

[ ص: 21 ] وروى أيوب عنه عن ابن عباس: إنما هي: (حتى تستأذنوا)، فسقط من الكاتب، وقال إسماعيل بن إسحاق: قوله: من خطأ الكاتب. هو بقول سعيد بن جبير أشبه منه بقول ابن عباس; لأن هذا مما لا يجوز أن يقوله أحد; إذ كان القرآن محفوظا، قد حفظه الله من أن يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.

وقد روي عن مجاهد أن الاستئناس: التنحنح والتنخم إذا أراد أن يدخل. وروى ابن وهب، عن مالك أنه الجلوس، قال تعالى: ولا مستأنسين لحديث [الأحزاب: 53] وقال عمر حين دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المشربة: أستأنس يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "نعم". فجلس عمر.

قال إسماعيل: وأحسب معنى الاستئناس -والله أعلم- إنما هو أن يستأنس فإن الذي يدخل عليه لا يكره دخوله; يدل على ذلك قول عمر - رضي الله عنه - السالف، فدل قوله على أنه أحب أن يعلم أنه - عليه السلام - لا يكره جلوسه، وهذا مما يضعف ما روي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن عمر.

[ ص: 22 ] قلت: والاستئناس في اللغة: الإعلام، ومنه: فإن آنستم منهم رشدا [النساء: 6].

قال المهلب: ومعنى الاستئذان: هو خوف أن يفجأ الرجل أهل البيت على عورة فينظر ما لا يحل له; يدل عليه قوله - عليه السلام -: "إنما جعل الاستئذان من قبل البصر".

وقال الطحاوي: الاستئناس: الاستئذان، في لغة أهل اليمن، وهو موجود فيها إلى الآن.

قال الفراء: تقول العرب: استأنس، فانظر هل في الدار من أحد، بمعنى: استأذن به.

فصل:

قام الإجماع على مشروعية الاستئذان، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا; ليجمع بين السلام والاستئذان، كما هو مصرح به في القرآن العظيم.

واختلفوا في أنه: هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان، أو عكسه؟ والصحيح الأول، وبه قال المحققون، وبه جاءت السنة، فيقول: السلام عليكم أأدخل؟

واختار الماوردي وجها ثالثا أنه إن وقعت عين المستأذن على صاحب البيت قبل دخوله، قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان.

[ ص: 23 ] وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان في تقديم السلام.

فرع:

إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له، فظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاثة مذاهب:

أظهرها: أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان.

وثانيها: يزيد فيه، قال مالك: لا بأس به. وهو تأويل قوله: حتى تستأنسوا [النور: 27].

وثالثها: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعاده.

فمن قال بالأظهر فحجته قوله في الحديث: "فلم يؤذن له فليرجع" كما سيأتي، ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه، وقول أبي بن كعب فيه: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. معناه: أن هذا الحديث

[ ص: 24 ] مشهور بيننا، معروف لكبارنا وصغارنا، وقد تعلق به من يقول: لا يحتج بخبر الواحد وأن عمر رد حديث أبي موسى هذا; لكونه خبر واحد، وهو باطل، والإجماع يرده ممن يعتد به فيه، ودلائله من فعل الشارع والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم، وقول عمر لأبي موسى: أقم البينة. ليس معناه رد خبر الواحد من حديث هو خبر واحد، ولكن خاف من مسارعة الناس إلى التقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل من بعض المبتدعة أو الكذابين أو المنافقين، فيضع كل من وقعت له قصة حديثا فيها، فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى لا شكا في روايته، فإنه كان عند عمر - رضي الله عنه - أجل من أن يظن به أنه يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل، وإنما أراد زجر غيره بطريقه فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته، وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضعه والمسارعة في الرواية بغير يقين، ومما يدل على أن عمر - رضي الله عنه - لم يرد خبره; لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعلم الحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد، يوضحه ما في مسلم أن أبيا لما شهد لأبي موسى قال: يا ابن الخطاب لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سبحان الله أنا سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت. وأما رواية: أقم البينة وإلا أوجعتك. وفي أخرى والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد.

[ ص: 25 ] وفي أخرى: لأجعلنك نكالا. فكلها محمولة على أن التقدير: لأفعلن بك هذا الوعيد إن بان أنك تعمدت كذبا، وقوله: فهاه وإلا جعلتك عظة. أي: فهات (البينة)، وضحك القوم من رؤيتهم فزع أبي موسى وخوفه من العقوبة مع أنهم قد أمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها; لقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سلف طرف منه في البيوع.

فصل:

وقوله: حتى يؤذن لكم [النور: 28] أي: يأذن لكم أهلها بالدخول; لأنه لا ينبغي أن يدخل منزل غيره وإن علم أنه ليس فيه أحد حتى يأذن له صاحبه.

وقوله: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة [النور: 29] قال مجاهد: كانت بيوتا في طريق المدينة يجعلون فيها أمتعتهم، وقيل: هي الخانات.

وقال عطاء: فيها متاع لكم : للخلاء والبول.

(فصل):

وسعيد بن أبي الحسن هذا هو: أخو الحسن البصري، تابعي

[ ص: 26 ] ثقة، قال البخاري: مات قبل الحسن).

فصل:

وقوله: (من أبصارهم) (من) هنا; لبيان الجنس، وقد جاء في نظر الفجأة الأمر بصرف البصر.

ولا شك في أن غض البصر مأمور به للآيتين المذكورتين في الباب; ألا ترى صرف النبي - صلى الله عليه وسلم – لوجه الفضل عن المرأة، ونهيه - عليه السلام - عن الجلوس على الطرقات إلا أن يغض البصر، وإنما أمر الله بغض الأبصار عما لا يحل; لئلا يكون البصر ذريعة إلى الفتنة، فإذا أمنت فالنظر مباح; ألا ترى أنه - عليه السلام - حول وجه الفضل حين علم بإدامته النظر إليها أنه أعجبه حسنها، فخشي عليه الشيطان.

وما ذكره في خائنة الأعين: قال ابن عباس: هو الرجل ينظر إلى المرأة، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره. وقد علم الله سبحانه (أن يرده) لو نظر إلى عورتها، وقول الزهري صحيح، ومعناه: في غير

[ ص: 27 ] الصغيرة جدا، قد مست أم خالد خاتم النبوة الذي كان بين كتفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونهى الشارع من نهاها. وقد سلف أن فيه حجة لأشهب أن الرجل يغسل الأجنبية الصغيرة الميتة، وأن ابن القاسم لا يجيز ذلك.

فصل:

وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم، وضعفه فيما تركب فيه من الميل إلى النساء، والإعجاب بهن، وفيه دليل أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهن فرضا في كل حال كلزومه لأمهات المؤمنين، ولو لزم جميع النساء فرضا لأمر الشارع الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل عن وجهها، بل كان أمره بصرف بصره ويعلمه أن ذلك فرضه; فصرف وجهه وقت خوف الفتنة وتركه قبل ذلك الوقت.

وهذا الحديث يدل أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير محارمهن سنة; لإجماعهم أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة منها ويراه الغرباء، وأن قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور: 30] على الفرض في غير الوجه.

[ ص: 28 ] وأن غض (البصر) عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى منه الفتنة واجب.

وقد قال - عليه السلام -: "لا تتبع النظرة النظرة; فإنما لك الأولى وليست لك الثانية". وهذا معنى دخول (من) قوله تعالى: من أبصارهم [النور: 34]: لأن النظرة الأولى لا تملك، فوجب التبعيض لذلك بما قدمناه، ولم يقل ذلك في الفروج; لأنها لا تملك.

فصل:

فإردافه الفضل خلفه على عجز راحلته ظاهر في جواز الإرداف، وقد مر. وعجز -بفتح أوله وضم ثانيه- أي: آخرها. وقوله: وكان الفضل وضيئا أي: حسنا نظيفا، أصله: وضأ مثل كرم.

وقوله: (فأخلف يده فأخذ بذقن الفضل). أي: أدارها من خلفه، يقال: أخلف الرجل بيده إلى سيفه: مدها إليه; ليأخذه عند حاجته إليه، وأخلف إلى مؤخر راحلته أو فرسه كذلك، وقال هنا: (والفضل ينظر إليها)، وفي "الموطأ": وتنظر هي إليه.

والذقن: -بفتح الذال والقاف- مجتمع اللحيين، قيل: وكان الفضل يومئذ صبيا.

[ ص: 29 ] وغلط; لقوله: وكان رجلا وضيئا، وليس صريحا فيه، فإن قلت: سماه بما يئول إليه أمره قيل: الظاهر منه أنه وصف حاله حينئذ، وأيضا فإنه كان أكبر من أخيه عبد الله، وكان عبد الله في حجة الوداع ناهز الاحتلام.

فصل:

قوله: ("إياكم والجلوس بالطرقات") هي جمع طرق، وطرق جمع طريق.

التالي السابق


الخدمات العلمية