التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5888 6242 - حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس بن مالك أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص -أو بمشاقص- فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه. [6889، 6900 - مسلم: 2157 - فتح: 11 \ 24]


ذكر فيه حديث سفيان، قال الزهري: حفظته كما أنك ها هنا، عن سهل بن سعد الساعدي قال: اطلع رجل من جحر في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدرى يحك به رأسه، فقال: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر".

وحديث أنس - رضي الله عنه - أن رجلا اطلع من بعض حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه بمشقص -أو بمشاقص- فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه.

الشرح:

الكلام على ذلك من وجوه:

أحدها:

(الجحرة): بضم أوله وإسكان ثانيه: الخرق، والمدرى: -بكسر الميم- يشبه المشط، وهي منونة; لأن وزنه مفعل، ليس فعلا، قال ابن فارس: مدرت المرأة إذا سرحت شعرها.

[ ص: 53 ] قلت: ومن أنثه قال: مدراة. وقد جاء في الشعر: مدراة. والجمع: المدارى.

والمشقص: -بكسر الميم أيضا- نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإن كان عريضا فهو المعبلة. وعبارة الجوهري: المشقص هو الطويل من النصال العريض. وقال الخطابي: هو نصل عريض. وقيل: هو سهم فيه سن عريض، وقيل: هو الطويل ليس بعريض.

ثانيها:

يختل -بكسر التاء المثناة فوق- أي: يحتال فيراوغه ويستغفله ويطعنه، قال (الجوهري: طعنه بالرمح، وطعن في السن. يطعن بالضم طعنا، قال: وطعن فيه بالقول، يطعن أيضا طعنا وطعنانا، وحكى) ابن فارس عن بعضهم: طعن بالرمح، وطعن بالقول، يطعن بالفتح.

ثالثها:

الحديث دال على هدر المفعول به، وجواز رميه بشيء خفيف، وقيل: إن ذلك على وجه التهديد والتغليظ، ولو وقع الفعل (للضرورة) قد لا تكون تلك العقوبة، (وكذلك) يفعل الأئمة في التغليظ

[ ص: 54 ] والإرهاب، وكذا من عض رجلا فندرت سنه يقتص منه عند مالك خلافا، للشافعي وابن نافع، قال يحيى بن عمر: ولعله لم يبلغه الحديث.

وهل يجوز الرمي قبل الإندار؟! فيه وجهان: أصحهما: نعم; لظاهر الحديث.

رابعها:

هذا الحديث يبين معنى الاستئذان، وأنه إنما جعل خوف النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحل منه، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب وشبهه كما هو متعرض فيه; لوقوع البصر على أجنبية.

وفي "الموطأ" عن عطاء بن يسار أن رجلا قال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ قال: "نعم" قال: إني معها في البيت! قال: "استأذن عليها; أتحب أن تراها عريانة؟! " قال: لا. قال: "فاستأذن عليها".

وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: لا يدخل الغلام إذا احتلم على أمه وعلى أخته، إلا بإذن.

وأصل هذا كله في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الآية [النور: 58] الآية قال أبو عبيد: فأما ذكور المماليك فعليهم الاستئذان في الأحوال كلها.

[ ص: 55 ] خامسها:

هذا الحديث يرد قول أهل الظاهر، ويكشف عليهم في إنكارهم العلل والمعاني، وقولهم: إن الحكم للأسماء خاصة; لأنه - عليه السلام - علل الاستئذان أنه إنما جعل من أجل البصر، فدل ذلك على أنه - عليه السلام - أوجب أشياء وحظر أشياء; من أجل معان علق التحريم بها. ومن أبى هذا رد نص السنن، وقد ورد القرآن بمثل هذا كثيرا من قوله تعالى: وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم [الأنبياء: 31]، وقوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، إلى قوله: كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم [الحشر: 7]، وقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة [النساء: 165] وقوله: ذلك جزيناهم بما كفروا [سبأ: 17] في مواضع كثيرة تطول، فلا يلتفت إلى من يخالف ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية