التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5891 6245 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا، فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا، فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع". فقال: والله لتقيمن عليه ببينة، أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك. وقال ابن المبارك: أخبرني ابن عيينة، حدثني يزيد، عن بسر، سمعت أبا سعيد بهذا. [انظر: 2062 - مسلم: 2153 - فتح: 11 \ 26]


ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا.

وحديث بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا، فلم يؤذن لي.. الحديث.

وقال ابن المبارك: أخبرني ابن عيينة، حدثني يزيد بن خصيفة، عن بسر، سمعت أبا سعيد بهذا.

وهذا أخرجه ابن المبارك في كتاب البر والصلة بهذا، وقد أسلفت الكلام عليه، وتكراره - عليه السلام - الكلمة يحتمل أن يكون تأكيدا، وأن يكون

[ ص: 59 ] علم أو شك هل فهم عنه، فكرر الثانية فزاد الثالثة; لاستحبابه الوتر، وقد أسلفنا حكمة تكراره السلام ثلاثا.

قال المهلب: ذلك للمبالغة في الإفهام (والإسماع) وقد أورد الله ذلك في القرآن فكرر القصص والأخبار والأوامر، ليفهم عباده أن يتدبر السامع في الثانية والثالثة ما لم يتدبر في الأولى; وليرسخ ذلك في قلوبهم، والحفظ: إنما هو بتكرير الدراسة للشيء المرة بعد المرة، وقد كان - عليه السلام - يقول الشيء المرة الواحدة، وقول أنس: (كان إذا تكلم الكلمة أعادها ثلاثا). يريد: في أكثر أمره، وأخرج الحديث مخرج العموم، والمراد به الخصوص.

فصل:

اختلف العلماء في قوله - عليه السلام -: "الاستئذان ثلاث":

فقالت طائفة: معنى قوله: "فإن أذن له وإلا فليرجع" إن شاء، وإن شاء زاد على الثلاث لا أنه بواجب عليه أن يرجع.

قال ابن نافع: لا بأس إن عرفت أحدا أن تدعوه أن يخرج إليك، وتنادي به ما بدا لك. وروى ابن وهب عن مالك قال: الاستئذان ثلاثا، لا أحب لأحد أن يزيد عليها، إلا من علم أنه لم يسمع فلا بأس أن يزيد. وظاهر حديث أبي موسى يرده; لأن أبا موسى حمله على أنه لا يزاد على الثلاث مرات، وذلك يكفي معناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أبي موسى أنه يجوز الزيادة على الثلاثة لكان مخالفا لمذهب عمر، ولم يحتج أبو موسى أن ينزع بقوله:

[ ص: 60 ] "الاستئذان ثلاث" حتى أنكر عليه عمر ترك الزيادة عليها، وقد زعم قوم من أهل البدع أن طلب عمر أن يأتيه بمن سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل أن مذهب عمر رد قبول خبر الواحد العدل، وقد سلف رده، وهو خطأ في التأويل وجهل بمذهب غيره من السلف. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكني أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ففيه من الفقه: التثبت في خبر الواحد; لما يجوز عليه من السهو وغيره، وحكم عمر في خبر الواحد أشهر من أن يخفى; قد قبل خبر الضحاك بن سفيان وحده في ميراث المرأة من دية زوجها، وقبل خبر حمل بن مالك الهذلي الأعرابي أن في دية الجنين غرة عبد أو أمة، وقبل

[ ص: 61 ] خبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية، وفي الطاعون، ولا يشك ذو لب أن أبا موسى أشهر في العدالة من الأعرابي الهذلي، وقد قال في حديث السقيفة: إني قائل مقالة، فمن حفظها ووعاها فليحدث بها. فكيف يأمر من سمع قوله أن يحدث به، وينهى عن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يقبل خبر الواحد هذا لا يقوله إلا المعاند أو الجاهل.

وفيه: أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم من يعلمه من هو دونه، والإحاطة لله وحده. وقيل: إنما رد عليه عمر التحديد ثلاثا، وأما نفس الاستئذان ففي القرآن لا تدخلوا بيوتا .

فصل:

قوله: (كأنه مذعور) أي: فجع. وقول أبي سعيد: (وأخبرت عمر أنه - عليه السلام - قال ذلك). قال الداودي: روى أبو سعيد حديث الاستئذان عن أبي موسى وهو شهد له عند عمر، وقال: معناه أنه أدى إلى عمر ما قال أهل المجلس، لم يحدث بعد ذلك عن أبي موسى ثم نسي أسماءهم ويحفظ قول أبي موسى; لأنه صاحب القصة، وهذا كله مخالف لما في البخاري من إخباره عمر أنه - عليه السلام - قاله.

التالي السابق


الخدمات العلمية