التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
545 571 - قال ابن جريج: قلت لعطاء، وقال: سمعت ابن عباس يقول: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب فقال: الصلاة. قال عطاء: قال ابن عباس: فخرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كأني أنظر إليه الآن، يقطر رأسه ماء، واضعا يده على رأسه فقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا". فاستثبت عطاء كيف وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه يده كما أنبأه ابن عباس، فبدد لي عطاء بين أصابعه شيئا من تبديد، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم ضمها، يمرها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأذن مما يلي الوجه على الصدغ وناحية اللحية، لا يقصر ولا يبطش إلا كذلك، وقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا". [7239 - مسلم: 642 - فتح: 2 \ 50]


[ ص: 240 ] ذكر فيه حديث عائشة: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء حتى ناداه عمر... الحديث.

وقد سلف في باب فضل العشاء. وأبو بكر المذكور في إسناده هو: ابن أبي أويس، عن سليمان وهو: ابن بلال.

وذكر أيضا فيه حديث ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شغل عنها ليلة، فأخرها حتى رقدنا في المسجد... الحديث. وفي آخره أن ابن عمر كان يرقد قبلها.

وأخرج مسلم بعضه. ثم عقب البخاري ذلك محيلا على ما قبله بأن قال:

قال ابن جريج: قلت لعطاء - يعني: ابن أبي رباح - وقال: سمعت ابن عباس يقول: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء... إلى آخره.

وأخرجه أيضا في التمني من حديث سفيان، عن عمرو، وقال أبو عبد الله هناك: قال عمرو: وحديث عطاء ليس فيه ابن عباس.

وقال الإسماعيلي: حديث عمرو عن عطاء مرسل. وذكر المهلب بن أبي صفرة، وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما أن البخاري روى حديث عطاء هذا بسند حديث ابن عمر، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء مفردا موصولا من حديث نافع بلفظه عن ابن جريج: قلت لعطاء: أي حين أحب إليك أن أصلي العشاء؟ قال: سمعت ابن عباس.

[ ص: 241 ] وأخرجه النسائي منقطعا من حديث ابن عمر. وأخرج حديث ابن عمر من حديث حجاج، عن ابن جريج. ثم أورد بعده من حديث سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس. وعن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ذات ليلة... الحديث، وفيه: فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - والماء يقطر من رأسه، وهو يقول: "إنه الوقت، لولا أشق على أمتي" ولمسلم في حديث ابن عمر: فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا أدري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك. ونوم ابن عمر في حديثه قبل العشاء يدل - والله أعلم - أنه كان منه نادرا إذا غلبه النوم، وكان يوكل من يوقظه على ما ذهب إليه بعض الكوفيين، وقد أسلفنا في الباب الماضي عنه أنه ربما رقد عن العشاء، ويأمر أن يوقظوه. فقوله: ربما، دال على أنه كان منه في النادر فيحتمل أن يفعله إذا أراد أن يجمع بأهله، أو لعذر يمنعه من حضور الجماعة، ثم يجمع بأهله.

والنوم المذكور في الحديث إنما هو نوم القاعد الذي تخفق رأسه

لا نوم المضطجع؛ والدليل على ذلك أنه لم يذكر أحد من الرواة أنهم توضئوا من ذلك النوم، ولا يدل قوله: ثم استيقظوا على النوم المستغرق؛ لأن العرب تقول: استيقظ من سنته وغفلته، وإلى هذا ذهب الشافعي في نوم الجالس الممكن، ويشبه أيضا مذهب مالك في مراعاته النوم الخفيف في كل الأحوال؛ لأنه ليس بحدث، وهو [ ص: 242 ] رد على المزني أنه حدث؛ لأنه محال أن يذهب على الصحابة ذلك فيصلوا بالنوم ولا يسألوا عن ذلك. وقد روي عن ابن عمر وابن عباس، وأبي أمامة، وأبي هريرة أنهم كانوا ينامون قعودا ولا يتوضئون، فدل على خفة ذلك.

وأما ما جاء عن أنس أنهم حين كانوا ينتظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناموا مضطجعين، ثم صلوا ولم يتوضئوا. ذكره الطبري، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون الصلاة مع الرسول، فيضعون جنوبهم، ثم يقومون فيصلون ويتوضئون. فظاهره أنه لا نقض بذلك، وهو قول أبي موسى الأشعري، وأبي مجلز، وعمرو بن دينار.

[ ص: 243 ] فقد جاء في حديث قتادة، عن أنس ما هو دال لما قلنا، وهو قوله: ثم يقومون فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ. ذكره الطبري، فبان بذلك أن النوم المستغرق ناقض وأن الخفيف لا ينقض، ويحمل ذلك على الحالتين، وقد سلف الكلام على حكم النوم في الطهارة مستوفى.

التالي السابق


الخدمات العلمية