التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
45 45 - حدثنا الحسن بن الصباح، سمع جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، أخبرنا قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب، أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة: 3]. قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة. [4407، 4606، 7268 - مسلم: 3017 - فتح: 1 \ 105]


ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام، ثنا قتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير". وقال أبان: نا قتادة، ثنا أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من إيمان". مكان "من خير".

[ ص: 122 ] ثنا الحسن بن الصباح، سمع جعفر بن عون، ثنا أبو العميس، ثنا قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب، أن رجلا من اليهود قال له يا أمير المؤمنين. آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا معشر اليهود نزلت تخذنا ذلك اليوم عيدا.

قال أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة: 3].

قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: في التعريف برواة الحديثين:

وقد (سلف) التعريف بعمر وأنس وقتادة.

أما حديث أنس فبقي منه هشام ومسلم بن إبراهيم.

أما هشام فهو ابن أبي عبد الله (سنبر) الدستوائي بفتح الدال وإسكان السين المهملة وفتح التاء، واقتصر السمعاني في "أنسابه" على ضمها ثم واوا وآخره همزة ممدودة بلا نون، وقيل: الدستواني بالقصر والنون، والصحيح: المشهور الأول، ودستوا: كورة من كور الأهواز، كان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها.

سمع جمعا من التابعين منهم أبو الزبير، وعنه الحفاظ منهم: شعبة وأبو داود الطيالسي وقال: كان أمير المؤمنين في الحديث، وقال أحمد: [ ص: 123 ] لا يسأل عنه، ما أرى الناس يروون عن أثبت منه.

وقال ابن سعد : كان ثقة ثبتا في الحديث حجة إلا أنه كان يرى القدر. وقال العجلي: لم يكن داعية إليه. مات سنة أربع، وقيل: ثلاث. وقيل: سنة اثنتين. وقيل: إحدى وخمسين ومائة.

وأما مسلم بن إبراهيم فهو أبو عمرو البصري القصاب الأزدي الفراهيدي مولاهم، وفراهيد -بفتح الفاء وبالدال المهملة، ووقع في شرح شيخنا قطب الدين بالمعجمة- بن شبابة بن مالك بن فهم بن عمرو بن أوس بطن من الأزد، ومنهم الخليل بن أحمد الإمام النحوي.

سمع خلقا من الكبار منهم: شعبة وهشام، وعنه الأعلام منهم: ابن معين والذهلي والبخاري وأبو داود، وروى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رجل عنه.

قال أبو زرعة : سمعته يقول: ما أتيت حراما ولا حلالا قط، وكان أتى عليه نيف وثمانون سنة، وقال أحمد بن عبد الله: سمع من سبعين امرأة، وكان ثقة عمي بآخره.

وقال يحيى بن معين : هو ثقة مأمون وقال أبو حاتم: ثقة صدوق.

مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين بالبصرة، وكان مولده سنة ثلاث (وثلاثين) ومائة.

[ ص: 124 ] فائدة:

سند حديث أنس هذا كله بصريون.

وأما أبان فهو ابن يزيد أبو يزيد البصري العطار سمع قتادة وغيره، وعنه (الأعلام): الطيالسي وغيره، أخرج له البخاري متابعة هنا، وقال في كتاب الصلاة: وقال موسى: حدثنا أبان عن قتادة. وأخرج له مسلم استقلالا في البيوع وغيره، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي .

قال أحمد: هو ثبت في كل المشايخ، ووثقه يحيى بن معين والنسائي .

وقول البخاري : (وقال أبان: حدثنا قتادة، ثنا أنس). إنما أتى به لتصريح قتادة بالسماع; فإنه (يدلس)، وإن عنعن في الأول، وإن كان كل ما في الصحيحين من هذا النوع يحمل على الاتصال كما سلف في الفصول السابقة أول الكتاب، وأتى به لزيادة أيضا في المتن (وهي) قوله: "من إيمان" وكان "خير" يعني: قال في روايته: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان"، و"وزن برة من إيمان"، و"وزن ذرة من إيمان" وهو دال على زيادة الإيمان ونقصه وتفاوته.

[ ص: 125 ] فائدة:

في أبان لغتان: الصرف; على أنه فعال كغزال ونظائره، والهمزة أصل وهي فاء الكلمة، ومنعه على أن الهمزة زائدة والألف بدل من ياء وجعله أفعل فمنع صرفه; لوزن الفعل مع العلمية.

والصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون صرفه، وغلط (بعضهم) من منع صرفه حتى قال بعضهم: لا يمنع صرف أبان إلا أتان. قال ابن مالك: أبان لا ينصرف لأنه على وزن أفعل من أبان يبين، ولو لم يكن منقولا لوجب أن يقال فيه: أبين. بالتصحيح.

وأما حديث عمر فالراوي عنه طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جشم بن زفر بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار أبو عبد الله البجلي الأحمسي -بطن منها- الكوفي الصحابي.

رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأدرك الجاهلية وغزا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاثا وثلاثين، أو ثلاثا وأربعين من بين غزوة وسرية، روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة، سكن الكوفة، مات سنة ثلاث وثمانين، وقيل: سنة اثنتين. وقيل: سنة أربع. وجزم شيخنا قطب الدين في "شرحه" بأنه مات سنة ثلاث وعشرين ومائة، وهو ما حكاه ابن أبي خيثمة عن ابن معين، وهو وهم كما نبه عليه المزي .

[ ص: 126 ] قلت: وأخرج له البخاري عن أبي بكر وابن مسعود، ومسلم عن أبي سعيد، وأبو داود والنسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فائدة:

قال أبو داود : رأى طارق النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئا.

فائدة أخرى:

بجيلة هي أم ولد أنمار بن أراش، وهي بنت صعب بن سعد العشيرة.

وأما قيس فهو أبو عمرو قيس بن مسلم الجدلي الكوفي العابد، سمع طارق بن شهاب ومجاهدا وغيرهما، وعنه الأعمش ومسعر وغيرهما.

مات سنة عشرين ومائة، وأهمله شيخنا في "شرحه".

وأما أبو العميس فهو بعين مهملة مضمومة ثم ميم مفتوحة ثم ياء مثناة تحت ساكنة، ثم سين مهملة، وهو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المستوردي الكوفي، أخو عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي.

[ ص: 127 ] سمع جمعا من التابعين منهم: الشعبي وقيس، وعنه ابن إسحاق وهو تابعي وشعبة وخلق، وثقوه، مات سنة عشرين ومائة.

وأما جعفر فهو أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن (عمرو) بن حريث القرشي المخزومي الكوفي، سمع جمعا من التابعين، منهم يحيى الأنصاري، وعنه ابن راهويه وغيره.

قال ابن معين : ثقة. وقال أحمد: صالح، ليس به بأس. مات سنة ست، وقيل: سنة سبع ومائتين. قيل: عن سبع وتسعين وقيل: عن سبع وثمانين.

وأما الحسن فهو أبو علي الحسن بن الصباح بن محمد البزار -آخره راء مهملة- الواسطي سكن بغداد، وكان من الثقات الخيار، صاحب سنة، سمع وكيعا وغيره، وعنه البخاري، وروى الترمذي أيضا عن رجل عنه، مات ببغداد سنة تسع وأربعين ومائتين، قاله الكلاباذي وغيره.

[ ص: 128 ] وقال ابن عساكر وغيره: سنة ستين ومائتين. فعلى هذا تكون وفاته (بعد) البخاري بأربع سنين.

الوجه الثاني: في ضبط الألفاظ الواقعة فيه:

"يخرج". يجوز فيه ضم الياء وفتحها، والذرة -بفتح الذال وتشديد الراء- واحدة الذر المعروف، وهي أقل الأشياء الموزونات، قاله المهلب، وهي هنا: التصديق الذي لا يجوز أن يدخله النقص، وما في البرة والشعيرة من الزيادة على الذرة إنما هو بزيادة الأعمال، وسيأتي ذلك أيضا.

وقال عياض: الذر: النمل الصغير. وعن بعض نقلة الأخبار أنه الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رءوس الإبر، ويروى عن ابن عباس: إذا وضعت كفك على التراب ثم نفضتها فما سقط من التراب فهو ذرة.

قال: وحكي أن أربع ذرات خردلة، وقيل الذرة من ألف وأربعة وعشرين جزءا من شعيرة، وقد صحفها شعبة فضم الذال وخفف الراء.

والمعشر: سلف بيانه في قصة هرقل. والجمعة بضم الميم، وإسكانها، وفتحها، حكى الفتح الفراء والواحدي وغيرهما قالوا: لأنه يجمع الناس كما يقال: رجل حطمة.

[ ص: 129 ] وقوله: (لاتخذنا ذلك اليوم عيدا معناه: لعظمناه وجعلناه) عيدا لنا في كل سنة; لعظم ما يحصل فيه من كمال الدين.

وقول عمر - رضي الله عنه -: (قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه).

معناه: أنا لم نهمل هذا، ولا خفي علينا زمن نزولها ومكانها، ولا تركنا تعظيم ذلك اليوم والمكان:

أما المكان وهو عرفات فهو معظم (الحج) الذي هو أحد أركان الإسلام.

وأما الزمان فيوم الجمعة ويوم عرفة، وهو يوم اجتمع فيه فضلان وشرفان، ومعلوم تعظيمنا لكل واحد منهما، فإذا اجتمعا زاد التعظيم، فقد اتخذنا ذلك اليوم عيدا وأي عيد، فعظمناه وعظمنا مكان النزول، وهذا كان في حجة الوداع، وعاش - صلى الله عليه وسلم - بعدها ثلاثة أشهر.

ومعنى أكملت لكم دينكم [المائدة: 3] الفرائض والسنن واستقر الدين، وأراد الله تعالى قبض نبيه، وكمال الدين إنما يحصل بتمام الشريعة، فتصور الكمال يقتضي تصور النقصان وليس المراد: التوحيد، لوجوده قبل نزول الآية، فالمراد الأعمال، فمن حافظ عليها فإيمانه أكمل من إيمان من قصر.

وقوله: ("وزن شعيرة من خير") وفي الرواية الأخرى "من إيمان" قال المهلب فيما نقله ابن بطال: المراد بالشعيرة والبرة والذرة: زيادة الأعمال التي يكمل بها التصديق; (لا أنها) من نفس التصديق، [ ص: 130 ] وهذا موافق للرواية الأخرى في "الصحيح" أنه قال بعد ذكره الذرة: "ثم يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط" يعني غير التوحيد.

وقال غيره: يحتمل أن تكون الشعيرة وما بعدها من نفس التصديق;

لأن قول: لا إله إلا الله لا ينفع حتى ينضم إليه تصديق القلب، والناس

يتفاضلون على قدر علمهم ومعاينتهم، فمن زيادته بالعلم قوله تعالى:

أيكم زادته هذه إيمانا [التوبة: 124].

ومن المعاينة قوله تعالى: ثم لترونها عين اليقين [التكاثر: 7] فجعل له مزية على علم اليقين، وهذا التأويل هو الصحيح المختار كما قاله النووي .

الوجه الثالث: في فقهه:

وهو دال على ما ترجم البخاري له وهو زيادة الإيمان ونقصه، وقد سبق تقريره في أول كتاب الإيمان.

وفيه: دخول طائفة من عصاة الموحدين النار.

وفيه: أن أصحاب الكبائر من الموحدين لا يكفرون بفعلها ولا يخلدون في النار.

وفيه: أنه لا يكفي في الإيمان معرفة القلب دون النطق بكلمتي الشهادة ولا النطق من غير اعتقاد. وهذا مذهب أهل السنة في هذه المسائل.

التالي السابق


الخدمات العلمية