التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5948 [ ص: 190 ] 3 - باب: استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم والليلة

6307 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة". [فتح: 11 \ 101]


ذكر فيه حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".

الشرح: أراد - صلى الله عليه وسلم - بذلك تعليم أمته وملازمته الخضوع والعبودية، والاعتراف بالتقصير، وإلا فهو مبرأ من كل نقص، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"، وقال: "أفلا أكون عبدا شكورا"، وقال: "إني أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي"، وهذا أولى من قول ابن الجوزي: هفوات الطباع (ما يسلم) منها أحد، فالأنبياء وإن عصموا من الكبائر، فلم يعصموا من الصغائر، وتتحدد للطبع غفلات تفتقر إلى الاستغفار، فإن المختار عصمتهم منها أيضا.

[ ص: 191 ] وقال بعضهم: إنه لم يزل في الترقي، فإذا ترقى إلى حال، رأى ما قبلها دونه، استغفر منه، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وما ألطفه، ومثله المراد به عن الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه على الدوام عليه، أو همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعد، أو سببه اشتغاله بالنظر في مصالح الأمة عن عظيم مقامه، أو شكرا لما أولى. ولا شك أن أولى العباد بالاجتهاد في العبادة الأنبياء; لما حباهم به من معرفته، فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير ولا يدلون عليه بالأعمال; مستكنون خاشعون، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -فيما رواه مكحول عنه-: ما رأيت أحدا أكثر استغفارا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال مكحول: ما رأيت (أحدا) أكثر استغفارا من أبي هريرة. وكان مكحول كثير الاستغفار وقال أنس: أمرنا أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة.

وروى أبو إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" مائة مرة قبل أن يقوم.

[ ص: 192 ] وروي عن حذيفة أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذرب لسانه على أهله، فقال: "أين أنت يا حذيفة من الممحاة؟ " قال: وما هي؟ قال: "الاستغفار، إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وقال - عليه السلام - لعائشة - رضي الله عنها - وقت الإفك: "إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه".

وروي أن التوبة (من الذنب): الندم والاستغفار، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: كان - عليه السلام - قبل أن يموت يكثر من قوله: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه". فسألته عن ذلك، فقال: "أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من ذلك، فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح ".

وقال أبو أيوب الأنصاري: ما من مسلم يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. ثلاث مرات إلا غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر، وإن كان فر من الزحف. وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - كثيرا ما يقول: الحمد لله وأستغفر الله. فقيل له في ذلك، فقال: إنما هي نعمة فأحمد الله عليها، أو خطيئة فأستغفر الله منها.

وقال عمر بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم كأنه في بستان فقلت له: أي عملك وجدت أفضل؟ قال: الاستغفار.

[ ص: 193 ] وروى أبو عثمان عن سلمان - رضي الله عنه - قال: إذا كان العبد يدعو الله في الرخاء فنزل به البلاء فدعا، قالت الملائكة: صوت معروف من امرئ ضعيف فيشفعون له. وإذا كان لا يكثر من الدعاء في الرخاء فنزل به البلاء فدعا، قالت الملائكة: صوت منكر من امرئ ضعيف فلا يشفعون له.

ولم يزد ابن التين في شرح هذا الحديث على أن قال: في بعض الأثر عنه - عليه السلام - "من استغفر الله تعالى سبعين مرة غفر له سبعمائة خطيئة"، وأي عبد أو أمة تذنب كل يوم سبعمائة ذنب؟

فائدة:

فوائد الاستغفار: محو الذنوب، وستر العيوب، وإدرار الرزق، وسلامة الخلق، والعصمة في المال، وحصول الآمال، وجريان البركة في الأموال، وقرب المنزلة من الديان، (فالثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور; ليزول الأثر; وتنشرح الصدور).

التالي السابق


الخدمات العلمية