التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5952 [ ص: 205 ] 6 - باب: إذا بات طاهرا وفضله

6311 - حدثنا مسدد، حدثنا معتمر قال: سمعت منصورا، عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. فإن مت مت على الفطرة، فاجعلهن آخر ما تقول". فقلت: أستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت. قال: "لا، وبنبيك الذي أرسلت". [انظر: 247 - مسلم: 271 - فتح: 11 \ 109]


ساق فيه حديث البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول". فقلت: أستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت. قال: "لا، وبنبيك الذي أرسلت".

هذا الحديث أخرجه البخاري، عن مسدد، ثنا (معتمر) سمعت منصورا، عن سعد بن عبيدة، حدثني البراء - رضي الله عنه -.

قال الإسماعيلي: ورواه إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن الحكم، عن سعد بن عبيدة.

ومعنى: "إذا أتيت مضجعك" يعني: إذا أردت النوم فيه، وهو بفتح

[ ص: 206 ] الميم، والمقصود: النوم على طهارة، فإن كان على طهارة كفاه، وفائدته: مخافة أن يموت في ليلته فيموت على طهارة; لأنه أصدق لرؤياه، وأبعد من لعب الشيطان به في منامه، وترويعه إياه.

وقد بين ابن عباس معنى المبيت على طهارة، فيما ذكره عبد الرزاق، عن أبي بكر بن عياش، قال: أخبرني أبو يحيى أنه سمع مجاهدا يقول: قال لي ابن عباس: لا تنامن إلا على وضوء; فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه.

وهذا معنى قوله: "فإن مت مت على الفطرة".

وذكر عن الأعمش أنه قال: ثم تيمم بالجدار، فقيل له في ذلك، فقال: (إني) أخاف أن يدركني الموت، قبل أن أتوضأ.

وعن الحكم بن عتيبة أنه سأله رجل: أينام الرجل على غير وضوء؟ قال: يكره ذلك، وإنا لنفعله.

وروى معمر، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن أبي توبة العجلي، قال: من أوى إلى فراشه طاهرا أو نام ذاكرا، كان فراشه مسجدا، وكان في صلاة أو ذكر، حتى يستيقظ.

وقال طاوس: من بات على طهر وذكر، كان فراشه له مسجدا حتى يصبح. ومثل هذا لا يدرك بالرأي، وإنما يؤخذ بالتوقيف.

[ ص: 207 ] فصل:

والاضطجاع على الشق الأيمن لشرفه، وقد كان يحب التيامن، ولأنه أسرع إلى الانتباه.

فصل:

وقوله: "أسلمت وجهي إليك" روي: "نفسي" أي: استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك، والوجه والنفس هنا بمعنى الذات كلها يقال: أسلم ويسلم واستسلم بمعنى.

ومعنى: "ألجأت ظهري إليك": توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.

وقوله: "رغبة ورهبة" أي: طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك، و"الفطرة": الإسلام.

فصل:

واختلف العلماء في سبب إنكاره على قائل: (وبرسولك) فقيل: لأن قوله: (وبرسولك) يحتمل غيره من حيث اللفظ كجبريل وغيره من الملائكة. وفيه بعد; لأن الرسول يتضمن النبوة. واختيار المازري

[ ص: 208 ] وغيره; أن سببه أنه ذكر ودعاء فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بالحروف، ولعله أوحي إليه هذه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها. وقيل: لأن قوله: ("ونبيك الذي أرسلت") فيه جزالة من حيث صنعة الكلام، وفيه جمع للنبوة والرسالة فإذا غيره فات هذان الأمران مع ما فيه من تكرير لفظ رسول وأرسلت، وأهل البلاغة يعيبونه، والمعروف أن الرسالة من لوازمها النبوة بخلاف العكس.

وقال الداودي: في الأول جمع بينهما بخلاف ما إذا قال: (ورسولك) وقد ذكر الله بقوله: وكان رسولا نبيا [مريم: 51] قال: ويظهر لي ثم ذكر الأول.

فصل:

واحتج بعض العلماء بهذا الحديث على منع الرواية بالمعنى، وأجاب المجوزون عنه بأن المعنى يختلف. ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى.

التالي السابق


الخدمات العلمية