التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5958 6317 - حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان: سمعت سليمان بن أبي مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت" -أو- "لا إله غيرك". [انظر: 1120 - مسلم: 769 - فتح: 11 \ 116]


ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: بت عند ميمونة - رضي الله عنها -

[ ص: 214 ] وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض".

وقد سلفا في الصلاة.

وكان - عليه السلام - يدعو في أوقات ليله ونهاره، وعند نومه ويقظته بنوع من الدعاء يصلح لحاله تلك ولوقته ذلك، فمنها: أوقات كان يدعو فيها، ويعين له ما يدعو فيه في أوقات الخلوة، وعند فراغ باله، وعلمه بأوقات الغفلة التي يرجى فيها الإجابة، فكان يلح عند ذلك، ويجتهد في دعائه، ألا ترى سؤاله أنه حين انتبه من نومه أن يجعل في قلبه نورا، وفي بصره نورا، وفي سمعه نورا، وجميع جوارحه؟! ومنها: أوقات كان يدعو فيها بجوامع الدعاء ويقتصر على المعاني دون تعيين وشرح، فينبغي الاقتداء به في دعائه في تلك الأوقات والتأسي به في كل الأحوال.

فصل:

قوله في آخر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الأول بعد قوله: "واجعل لي نورا": (قال كريب: وسبع في التابوت. فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر: عصبي، ودمي، ولحمي، وشعري، وبشري، وذكر خصلتين). يعني أنه أنسي سبع خصال من الحديث على ما يقال لمن لم يحفظ العلم: علمه في التابوت، وعلمه مستودع في الصحف. وليس كريب القائل: (فلقيت رجلا). وإنما قاله سلمة بن كهيل الراوي عن كريب: سأل (العباسي) عنهن حين

[ ص: 215 ] نسيهن كريب، فحفظ سلمة منهن خمسا ونسي أيضا خصلتين، كذا في ابن بطال أنه سأل العباسي، والذي في البخاري ما سلف. قال: وقد وجدت الخصلتين (من) رواية داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه وهما: "اللهم اجعل نورا في عظامي، ونورا في قبري".

وقال الداودي أيضا: قوله: (وسبع في التابوت). يقول: هن في صحيفة في تابوت ولد العباس وأتى بهن كناية جعلهن جوارح قال: والخصلتان العظم والمخ، وقيل: يريد: (في تابوت). أي: في صدره.

فصل:

قوله: (فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه). وذكره ابن بطال بلفظ: أبغيه. بالغين المعجمة، ثم قال: التمطي: التمدد أي: تمددت، فظهر استيقاظه حينئذ، (أرتقبه): أرصده، قال الخليل: يقال: بغيت الشيء أبغيه: إذا نظرت إليه ورصدته.

وإنما فعل ابن عباس ذلك ليري رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان نائما، وأنه لم يرصده; إذ كل أحد إذا خلا في بيته قد يأتي من الأفعال ما يحب ألا يطلع عليه أحد، وإنما حمل ابن عباس على ذلك الحرص على التعليم ومعرفة حركاته - عليه السلام - في ليله، وقد أسلفنا في الصلاة أن العباس والده كان أوصاه بذلك.

[ ص: 216 ] وذكره ابن التين بلفظ: (أبقيه) كما أسلفناه بالقاف، وقال: قال أبو سليمان: أي: أرقبه وأنتظره، قال: يقال: أبقيت الشيء أبقيه بقيا. قال: وذكره الشيخ أبو الحسن في روايته بالغين من بغيت الشيء إذا طلبته.

فصل:

فيه: الحرص على التعليم، والرفق بالعلماء، وترك التعرض إلى ما يعلم أنه يشق عليهم.

فائدة:

روى الطبري عن معقل بن يسار، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - (أنه - عليه السلام -) قال: "الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل" فقلت: يا رسول الله، فكيف المنجا أو المخرج من ذلك؟ قال: "ألا أعلمك شيئا إذا فعلته برئت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك (شيئا) وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات".

[ ص: 217 ] فصل:

في ألفاظ وقعت في الحديث الأول: شناق القربة ما تشد به من رباط أو سير أو خيط ونحوه، وقوله: (فتتامت)، قال الداودي: تقول (تأملت ورعيت). والعصب بفتح الصاد جمع عصبة، وهي: أطناب المفاصل.

فصل:

قوله في حديثه الثاني: (إذا قام من الليل يتهجد) أي: يصلي. هذا هو المراد، وقال ابن التين: أي: يسهر، وهو من الأضداد يقال: هجد وتهجد إذا نام، وهجد وتهجد إذا سهر. قاله الجوهري، وقال الهروي: تهجد إذا سهر وألقى الهجود -وهو النوم- عن نفسه، وهجد: نام. وقال النحاس: التهجد عند أهل اللغة: السهر، والهجود: النوم. وقال ابن فارس الهاجد: النائم، والمتهجد: المصلي ليلا.

التالي السابق


الخدمات العلمية