التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
553 578 - حدثنا يحيى بن بكير قال: أخبرنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس. [انظر: 372 - مسلم: 645 - فتح: 2 \ 54]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث أنس بن مالك: أن زيد بن ثابت حدثه، أنهم تسحروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قاموا إلى الصلاة. قلت: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين أو ستين آية.

وفي رواية عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فصلى. قلنا لأنس: كم كان بين [ ص: 251 ] فراغهما (من) سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.

ثانيها: حديث سهل بن سعد: كنت أتسحر في أهلي، ثم يكون سرعة أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثها: حديث عائشة: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس.

حديث عائشة هذا تقدم أوائل الصلاة، وتقدم الكلام عليه واضحا. والطريق الأول من حديث أنس أخرجه مسلم.

والثاني: أخرجه النسائي في الصوم، وتارة يجعل من مسند أنس عن زيد، وتارة من مسند أنس، ويأتي أيضا في صلاة الليل والصوم.

وقد رواه الطحاوي عنهما. وللنسائي وابن حبان: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنس، إني أريد الصيام أطعمني شيئا" فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال، قال: "يا أنس: انظر رجلا يأكل معي" فدعوت زيد بن ثابت، فجاء، فقال: إني قد شربت شربة سويق، وأنا [ ص: 252 ] أريد الصيام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا أريد الصيام" فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة. قال الإسماعيلي: قال خالد بن الحارث، عن سعيد في هذا الحديث: أنس عن زيد. وأصحاب سعيد يقولون: عن أنس. وقال خالد بن الحارث: أنس القائل: كم كان بينهما؟ وفي حديث همام: قلت لزيد: كم كان بينهما؟ ويزيد بن زريع يقول لأنس: كم كان بينهما؟ وهما جميعا سائغان أن يكون أنس سأل زيدا فأخبره، وأن يكون قتادة أو غيره سأل أنسا فأرسل له قدر ما كان بينهما كما أرسل أصل الخبر، فلم يقل: عن زيد. ومن تراجم البخاري على هذا الحديث في الصيام باب قدر كم بين السحور وصلاة الصبح؟ فذكر خمسين آية، ومراده بالصلاة: دخول وقتها.

وحديث سهل ذكره في الصوم أيضا، أخرجه هنا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه، عن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل.

وأخرجه في الصوم عن محمد بن عبيد الله، عن (عبد العزيز) بن أبي حازم، عن أبيه. وادعى خلف أن البخاري أخرجه في الصوم عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم. ولم ير ذلك فيه، ولا ذكره أبو مسعود ولا الطرقي.

[ ص: 253 ] أما فقه الباب: فالإجماع قائم على أن وقت صلاة الصبح انصداع الفجر، وهو البياض المعترض في أفق السماء من جهة المشرق، وهو الفجر الثاني الصادق، أي: لأنه صدق في الصبح وبينه لا الفجر الأول الكاذب الذي يبدو ضوؤه مستطيلا ذاهبا في السماء كذنب السرحان وهو الذئب، وقيل: الأسد، ثم ينمحي أثره ويصير الجو أظلم ما كان، سمي كاذبا؛ لأنه يضيء ثم يسود، ويذهب النور فكأنه كاذب، وشبه بذنب السرحان لطوله؛ ولأن ضوءه يكون في الأعلى دون الأسفل، كما أن الذنب يكثر شعر ذنبه في أعلاه دون أسفله.

والأحكام متعلقة بالفجر الثاني دون الأول، ولا يتعلق بالأول شيء من الأحكام. وفيه في الدارقطني حديث من طريق عبد الرحمن بن ثوبان، وغيره.

[ ص: 254 ] واختلف في آخر وقته: فذهب الجمهور إلى أن آخره طلوع أول جرم الشمس، وهو مشهور مذهب مالك، وروى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم أن آخر وقتها الإسفار الأعلى، وعلى هذا فما بعد الإسفار وقت لأصحاب الأعذار، ويؤثم من أخر الصلاة إلى ذلك الوقت، بخلاف الأول. وعن الإصطخري: من صلاها بعد الأسفار الشديد يكون قاضيا، واستدل بحديث أبي موسى أنه - عليه السلام - صلى بالسائل الفجر في اليوم الثاني حين انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت. وقال: "الوقت ما بين هذين" وظاهره أن آخر وقتها يخرج قبل طلوع الشمس بيسير، وهو الذي يقدر بإدراك ركعة كما في الحديث، والجمهور استدلوا بالأحاديث التي فيها: "إذا صليتم الفجر، فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس".

التالي السابق


الخدمات العلمية