التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5986 6346 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم". وقال وهب: حدثنا شعبة، عن قتادة مثله. [انظر: 6345 - مسلم: 2730 - فتح: 11 \ 145]


ذكر فيه حديث مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام، عن قتادة، عن أبي العالية -رفيع بن مهران- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات (والأرض)، ورب العرش العظيم".

وفي لفظ عن يحيى، عن هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة: كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم". وقال وهب: ثنا شعبة، عن قتادة مثله.

الشرح:

روى هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بزيادة واختلاف في لفظه، كما رواه ابن أبي شيبة من حديث أبي إسحاق عن عبد الله بن سلمة،

[ ص: 271 ] عن علي - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك -مع أنه مغفور لك- لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم، الحمد لله رب العالمين".

ولما خرج النسائي حديث ابن عباس عن محمد بن حاتم، عن حبان، ثنا ابن المبارك. عن مهدي بن ميمون، عن يوسف بن عبد الله بن الحارث قال: قال لي أبو العالية: ألا أعلمك دعاء؟ أنبئت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال.. فذكره ولم يسنده.

ولابن أبي شيبة في باب: ما كان - عليه السلام - يقول عند الكرب: حدثنا زيد بن حباب، عن عبد الجليل بن عطية، حدثني جعفر بن ميمون، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة، حدثني أبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كلمات للمكروب: "اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت".

وحدثنا محمد بن بشر، ثنا عبد العزيز بن عمر، حدثني هلال مولى عمر بن عبد العزيز، عن مولاه عمر، عن عبد الله بن جعفر أن أمه أسماء بنت عميس قالت: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن:

[ ص: 272 ] "الله ربي لا أشرك به شيئا".


وروى أحمد بإسناد جيد عن علي - رضي الله عنه -: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل بي كرب أن أقول: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله، وتبارك الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين". وقد سلف أطول من ذلك.

وقال أحمد: حدثنا يزيد، ثنا فضيل بن مرزوق، ثنا أبو سلمة الجهني، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا".

وفي كتاب "مجابي الدعوة" لابن أبي الدنيا من حديث فهير بن زياد، عن موسى بن وردان، عن الكلبي -وليس بصاحب التفسير- عن الحسن عن أنس - رضي الله عنه -: كان رجل من الصحابة من الأنصار يكنى أبا معلق وكان

[ ص: 273 ] تاجرا فلقيه لص فأراد قتله، فقال: دعني أصل أربع ركعات. فقال: افعل. فصلى ثم قال: يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالا لما تريد، أسألك بعزتك التي لا ترام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. ثلاث مرات، فإذا هو بملك بيده حربة، فقتل اللص فقال: من أنت؟ قال: ملك من السماء الرابعة، لما دعوت سمعت ضجة أهل السماء فسألت الله أن يوليني قتل اللص ففعل. قال أنس: فاعلم أنه من صلى أربع ركعات ثم دعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب.

ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب "الوظائف" من حديث عمارة بن صفوان: ثنا محمد بن عبيد الرقي، ثنا يحيى بن زياد، عن موسى بن وردان فلا ندري تصحف فهير (بيحيى) أو هو غيره.

فصل:

وكان السلف -كما قال الطبري- يدعون بدعاء ابن عباس، ويسمونه دعاء الكرب. قال أيوب: كتب (إليه) أبو قلابة بدعاء الكرب وأمره أن يعلمه ابنه.

فإن قلت: هذا ذكر وليس فيه دعاء، قلت: هو ذكر يستفتح به الدعاء، ثم يدعو بما شاء على ما روى حماد بن سلمة، عن يوسف بن عبد الله بن الحارث، عن أبي العالية، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[ ص: 274 ] كان إذا حزبه أمر قال: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم".
ثم يدعو.

توضحه رواية الأعمش عن النخعي قال: كان يقال: إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استوجب له، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء.

وقد نبه على هذا المعنى ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: إذا خشيتم من أمير ظلما فقولوا: اللهم رب السماوات ورب العرش العظيم، كن لي جارا من فلان وأشياعه من الجن والإنس أن يفرطوا علي وأن يطغوا، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك. فإنه لا يصل إليكم منه شيء تكرهونه.

ويحتمل أيضا ما روي عن حسين المروزي قال: سألت ابن عيينة: ما كان أكثر قوله - عليه السلام - بعرفة؟ فقال: "لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولله الحمد" ثم قال لي سفيان: إنما هو ذكر وليس فيه

[ ص: 275 ] دعاء. ثم قال لي: أما علمت قول الله حيث يقول: "إذا شغل عبدي ثناؤه [علي] عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" قلت: نعم. حدثتني أنت وابن مهدي بذلك عن منصور بن المعتمر، عن مالك بن الحارث، ثم قال سفيان: أما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائلة وفضله قلت: لا. قال أمية:


أأطلب حاجتي أم قد كفاني ثناؤك إن شيمتك الحياء     إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

قال سفيان: هذا مخلوق حين نسب إلى أن يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق؟!

قال ابن بطال: وحدثني أبو بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند الشيخ أبي نعيم أكتب الحديث عنه، وكان هناك شيخ آخر يعرف بأبي بكر بن علي، وكان عليه مدار الفتيا، فحسده بعض أهل البلد، فبغاه عند السلطان فأمر بسجنه، وكان ذلك في شهر رمضان، قال أبو بكر:

[ ص: 276 ] فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وجبريل - عليه السلام - عن يمينه يحرك شفتيه لا يفتر من التسبيح فقال لي - عليه السلام -: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في "صحيح البخاري" حتى يفرج الله عنه. فأصبحت إليه وأخبرته بالرؤيا فدعا به فما بقي إلا قليلا حتى أخرج من السجن. ففي هذه الرؤيا شهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكتاب البخاري بالصحة بحضرة جبريل، والشيطان لا يتمثل بصورته - عليه السلام - في المنام.

فصل:

قوله: ("رب العرش العظيم") وفي رواية: "الكريم" أي: المكرم، وهو صفة العرش.

وقال الداودي: وقد تكون الصفة لله والذي في القرآن أنه صفة للعرش قال تعالى: الله الملك الحق [المؤمنون: 116].

فصل:

جاء في رواية: إذا حزبه أمر -هو بحاء مهملة ثم زاي ثم باء موحدة ثم هاء - أي: نابه وألم به أمر شديد. قال بعض العلماء -فيما حكاه عياض- هذه الفضائل المذكورة في هذه الأذكار إنما هي لأهل الشرف في الدين والطهارة من الكبائر دون المصرين وغيرهم، قال: وفيه نظر والأحاديث عامة.

التالي السابق


الخدمات العلمية