صفحة جزء
1410 [ 706 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة - والمزابنة [بيع] التمر بالتمر- إلا أنه أرخص في العرايا .


الشرح

إسماعيل: هو ابن إبراهيم الشيباني، ويقال: السلمي، حجازي [ ص: 422 ] .

روى عن: ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وامرأة رافع بن خديج وكان قد خلف عليها.

روى [عنه ] عمرو بن دينار، ويعقوب بن خالد، وحجاج بن أبي عبد الله .

وأبو سفيان مولى ابن أبي أحمد، ويقال: مولى ابن أحمد، والصواب الأول، يقال: إن اسمه قزمان، ومنهم من لم يثبت له اسما.

روى عن: أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري. وروى عنه: داود بن الحصين.

وابن أبي أحمد الذي نسب أبو سفيان هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش بن رئاب الأسدي، أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ولد فسماه عبد الله، وأبو أحمد -أبوه- قيل: اسمه عبد، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعد في أهل الحجاز، وهو أخو عبد الله بن جحش الأسدي .

وبشير -بضم الباء- ابن يسار المدني مولى الأنصار.

سمع: ابن أبي حثمة، ورافع بن خديج، وأوس بن مالك، وسويد بن النعمان.

روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، والوليد بن كثير، وغيرهما .

وسهل بن أبي حثمة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنصاري حارثي، وكنيته أبو يحيى، وقيل: أبو محمد، وفي كتاب الجرح والتعديل [ ص: 423 ] لابن أبي حاتم أن كنيته أبو عبد الرحمن، واسم أبي حثمة -على ما حكاه الحافظ أبو نعيم عن الواحدي- عامر بن [ساعدة] بن عامر بن خثيم، وعن غيره أنه عبد الله بن ساعدة بن عامر، وذكر بعضهم أنه كان دليل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد وأنه شهد المشاهد كلها سوى بدر، وآخرون أنه قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمان سنين لكنه قد حفظ وروى عنه، ولا يتأتى الجمع بين القولين.

روى عنه: نافع بن جبير بن مطعم، وبشير بن يسار، وصالح بن خوات، وغيرهم .

وحديث سالم عن أبيه عن زيد رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن سفيان، والبخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري.

وحديث عمرو عن إسماعيل الشيباني رواه الزعفراني والمزني عن الشافعي ولم يقولا: أو غيره، وفي رواية الكتاب عن إسماعيل الشيباني أو غيره، وهذا يجوز أن يريد به: أو رجل آخر، ويجوز أن يشير به إلى اختلاف وقع في اسم الرجل واسم أبيه ، فقد ذكر بعضهم أنه إبراهيم بن إسماعيل لا إسماعيل بن إبراهيم.

وحديث نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت مدون في الموطأ ورواه البخاري عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم عن يحيى بن يحيى [ ص: 424 ] بروايتهما عن مالك، واللفظ في رواية يحيى بن يحيى: أن يبيعها بخرصها من التمر.

وحديث داود بن الحصين عن أبي سفيان أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، والبخاري عن غيره، بروايتهما عن مالك.

وحديث بشير عن ابن أبي حثمة أخرجه البخاري عن يحيى بن قزعة عن سفيان، ومسلم عن عمرو الناقد وابن نمير بروايتهم عن سفيان.

وحديث ابن جريج عن عطاء عن جابر مخرج في الصحيحين أيضا.

وقوله في الحديث الأول: نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه هذه جملة قد سبق القول فيه.

وقوله: "عن بيع الثمر بالثمر" المراد بالثمر الرطب، وقد ذكر الأصحاب في الأيمان أنه إذا حلف لا يأكل الثمار يختص الثمر بالرطبة حتى لا يحنث بالفواكه اليابسة، وورد في بعض الروايات عن بيع الثمرة بالثمرة وهذا في المعنى كما روي ، أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن شراء الرطب بالتمر فقال - صلى الله عليه وسلم -: أينقص الرطب إذا يبس؟

قالوا: نعم، فنهى عن ذلك
[ ص: 425 ] .

وقوله: "وحدثنا زيد بن ثابت أنه أرخص في العرايا" فيه إشارة إلى أنه استثنى ذلك عن بيع الرطب بالتمر تخفيفا ورخصة، ويوضحه أن في رواية الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم: لا تبيعوا الثمر بالتمر.

قال: وأخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص بعد ذلك في بيع العرية.

وعد استثناء العرايا من بيع الرطب بالتمر كاستثناء السلم من بيع ما ليس عند الإنسان.

وقوله: "بعت ما في رءوس نخلي بمائة وسق" أي من التمر إن زاد ما حصل منه فهو لهم وإن نقص فعليهم، ولما سأل ابن عمر عنه بين رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، إلا أنه أرخص في العرايا وليس الصورة صورة العرايا لكثرة القدر، وبيع الرطب على رأس النخل بالثمر على وجه الأرض يسمى مزابنة على ما بين التفسير في حديث جابر، واللفظة مأخوذة من الزبن وهو الدفع، ومهما ظهر غبن في العقد سعى المغبون في فسخه والغابن في إمضائه، فيتزابنان أي: يدفع كل واحد منهما الآخر عما يرومه، وتقدير ما على رأس الشجر إنما يكون بالخرص وهو حدس وتخمين يكثر فيه الغلط ويظهر الغبن فخص لذلك باسم المزابنة، وقيل: الزبن: الغبن، وبيع المزابنة: بيع المغابنة فيما لا يجوز فيه الغبن والزيادة لكونه ربا.

ولو باع على رأس الشجر بجنس آخر على وجه الأرض فلا بأس، لأنه لا يشترط المماثلة حينئذ، وقبض ما على رأس الشجر يكون بالتخلية وقبض ما على وجه الأرض بالنقل، والعرايا المستثناة عن مطلق بيع الرطب بالتمر، وعن بيع الرطب على رأس النخيل بالتمر [ ص: 426 ] المخصوص باسم المزابنة: هي بيع قدر مخصوص من الرطب بقدر ما تجيء منه من التمر، يخرص ذاك ويكال هذا.

وواحد العرايا: عرية، سميت عرية لأنها عريت عن التحريم أي: خرجت، أو لأنها عريت عن سائر ما في الحائط بالخرص والبيع، فعيلة بمعنى فاعلة، وقيل: هي من قولهم: أعريت الرجل النخلة أي: أطعمته، فهو يعروها متى شاء أي: يأتيها فيأكل رطبها، يقال: عروت الرجل إذا أتيته بطلب معروفه فأعراني أي: أعطاني، كما يقال: سألني فأسألته، وعلى هذا فهي فعيلة بمعنى مفعولة، هذا قول الشافعي.

وقال مالك: العرية هي النخلة أو النخلات يمنح صاحبها ثمرة العام الآخر، ثم يتأذى بدخوله حائطه فرخص له في شرائها منه بخرصها تمرا إلى الجداد، سميت عرية لأنها مخرجة من ماله، أو من تحريم بيع الرطب بالتمر، أو من اشتراط التقابض فعيلة بمعنى مفعولة، وقيل: لأنها خرجت فعيلة بمعنى فاعلة، وقيل: لأن تمرتها عريت من أصلها أو عريت.

وقال بعضهم: العرية النخلة تكون لرجل في حائط آخر يتأذى صاحب الحائط بدخوله ملكه فرخص له في شرائها منه دفعا للأذى، وسميت عرية لانفرادها، يقال: أعريت هذه النخلة إذا أفردتها ببيع أو هبة.

وقال أبو حنيفة: العرية أن يمنحه ثمر نخلات ثم يبدو له، فيبطل منحته ويعطيه مكان الرطب تمرا، واحتج الأصحاب عليه بأن العرايا مستثناة عن بيع الرطب بالتمر، وبأن في حديث زيد بن ثابت أنه أرخص بيع العرايا، وأيضا أرخص لصاحب العرية أن يبيعها خرصا، وكذلك [ ص: 427 ] جرى لفظ البيع في حديث أبي هريرة وسهل بن أبي حثمة وليس فيما ذكره أبو حنيفة بيع، وبما روي عن بعض الصحابة أنه قيل له: ما عراياكم هذه؟

فقال: وسمى رجالا محتاجين من الأنصار أنهم شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا .

وفهم بعض الأصحاب من هذا الحديث اختصاص بيع العرايا بالمحتاجين، والأظهر تعميم الجواز، وإذا جاز فلا بد من التقابض بالتخلية فيما على رأس الشجر، والنقل من التمر.

وقوله: فيما دون خمسة أوسق، في حديث أبي هريرة، يبين القدر الذي استثني بيعه عن النهي، ولم يسق في المسند ما رواه مالك بتمامه، وتمامه ما رواه المزني في المختصر فقال: قال الشافعي: أبنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة- الشك من داود.

فيجوز بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد [ ص: 428 ] عليها، وفي قدر خمسة أوسق قولان، وقد يحتج للجواز بإطلاق خبر سهل بن أبي حثمة، والأظهر المنع ، لأنه قد يقرب المنع عن بيع الرطب والتمر، ولم يتحقق الاستثناء إلا فيما دون خمسة أوسق، ويجوز بيع العرايا في العنب كما يجوز في ثمرة النخيل، وفي سائر الثمار الأصح المنع.

التالي السابق


الخدمات العلمية