صفحة جزء
1732 [ 822 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا الثقة، عن محمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشا أمر عليهم أميرا وقال: "فإذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال أو ثلاث خصال -شك علقمة- ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما عليهم، وإن اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين، وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن لم يجيبوك فادعهم إلى أن يعطوا الجزية عن يد، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم". .


[ ص: 78 ] الشرح

محمد بن أبان كأنه محمد بن أبان بن صالح بن عمير الذي يقال له: الجعفي.

روى عن: أبي إسحاق، وحماد بن أبي سليمان، وهو ممن تكلموا في حفظه .

وعلقمة: هو ابن مرثد الحضرمي الكوفي.

سمع: سعد بن عبيدة، وسليمان بن بريدة، ومقاتل بن حيان، والمغيرة اليشكري.

وروى عنه: شعبة، والثوري، وغيلان بن جامع، ومسعر .

وسليمان: هو ابن بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن [سعد] بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن المازني الأسلمي، ولد هو وأخوه عبد الله توأمين على عهد عمر -رضي الله عنه-.

سمع: أباه. وروى عنه: عبد الله بن عطاء المكي.

مات سنة خمس ومائة .

وأبوه بريدة بن الحصيب أبو عبد الله، ويقال: أبو ساسان، ويقال: أبو سهل، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، سكن المدينة ثم تحول إلى [ ص: 79 ] البصرة ثم خرج إلى خراسان ومات بمرو سنة اثنتين أو ثلاث وستين، [روى] عنه: ابناه، وأبو المليح، والشعبي .

وحديث أبي هريرة صحيح ، وكذلك ما حكاه من محاجة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، واستدلال عمر -رضي الله عنه- بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى يقولوا: لا إله إلا الله" كان معلقا بصدر اللفظ قبل التأمل في آخره، فبين أبو بكر -رضي الله عنه- أن العصمة موقوفة على إيفاء [...] ، ففي الصحيح من رواية ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" .

وفي سنن أبي داود السجستاني من رواية أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين .

وذكر الإمام أبو سليمان الخطابي أن في الحديث دلالة على أن الكفار مخاطبون بالصلاة والزكاة وسائر العبادات; لأنه بين أنهم [ ص: 80 ] مقاتلون عليها، وأن قوله: "وحسابهم على الله" يعني فيما يستسرون به دون ما يخلون به من الأحكام الواجبة عليهم في الظاهر، وأن فيه دليلا على أن المستسر بكفره لا يتعرض له إذا كان ظاهره الإسلام وتقبل توبته إذا أظهر [... ..] كان يستسر به، وبين الشافعي -رضي الله عنه- في كتابه "اختلاف الحديث" أن قوله: لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله من الكلام الذي مخرجه عام ويراد به الخاص، والمقصود منه أهل الأوثان، فأما أهل الكتاب فإنهم يقاتلون إلى أن يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد على ما فصله في حديث بريدة، وهذا كما أن الله تعالى قال: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . فنزل عليه مطلق قوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم الآية .

وحديث بريدة صحيح أيضا: أخرجه مسلم من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد، ورواه أبو داود في السنن عن محمد بن سليمان الأنباري عن وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد.

فظاهر الحديث يدل على أنه لا بد من تقديم الإنذار والدعاء على القتال، قال أبو سليمان الخطابي: وبهذا قال مالك بن أنس. وقال الحسن البصري، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق: لا حاجة إليه إذا كانوا ممن بلغتهم الدعوة، واحتج الشافعي -رضي الله عنه- بقتل ابن أبي الحقيق، وأما من لم تبلغه الدعوة فيجب إعلامه بإنذاره أولا بلا خلاف .

[ ص: 81 ] وقوله: "وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين فالمقصود منه ما ذكره الإمام الخطابي أن المهاجرين تركوا أوطانهم وهجروها في طاعة الله وسكنوا المدينة وليس لهم أو لأكثرهم بها زرع ولا ضرع، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق عليهم مما أفاء الله عليه ولم يكن للأعراب وساكني البدو حظ في ذلك إلا من قاتل منهم، فبين أنهم إن نزلوا عن ديارهم وسكنوا المدينة سلك بهم سبيل المهاجرين.

وقوله: "وعليهم ما على المهاجرين" يعني به الجهاد، والتفسير: وكان المهاجرون لا يتخلفون إذا دعوا والأعراب إن لم يخرجوا لم يكن عليهم عنت إذا كان في المهاجرين كفاية، ولا شيء لهم إذا لم يخرجوا.

وقوله: "فادعهم إلى أن يعطوا الجزية" ظاهره جواز أخذ الجزية من كل مشرك كتابيا كان أو غير كتابي، وقد ذهب إليه بعض العلماء، والأكثرون خصصوا التقرير بالجزية بمن له كتاب أو شبه كتاب، واحتج لامتناع أخذها من كل مشرك بأن عمر -رضي الله عنه- لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتى روى له عبد الرحمن بن عوف الأخذ منهم على ما سيأتي.

التالي السابق


الخدمات العلمية