صفحة جزء
557 [ 890 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة فجئنا نشهدها، وحضرها ابن عباس وابن عمر فقال: إني جالس بينهما جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلي، فقال ابن عمر [لعمرو] بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه".

فقال ابن عباس: قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك، ثم حدث ابن عباس قال: صدرت مع عمر بن الخطاب من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا أناس ركب تحت ظل شجرة، قال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب، فإذا صهيب، قال: ادعه، فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق بأمير المؤمنين، فلما أصيب عمر رضي الله عنه سمعت صهيبا يبكي ويقول: واأخياه، واصاحباه. فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" قال: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "
"إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه" فقالت عائشة: حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى وقال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكى.

قال ابن أبي [مليكة] : فوالله ما قال ابن عمر [من] شيء.



[ ص: 155 ] الشرح

عمرو بن عثمان بن عفان القرشي الأموي. سمع: أسامة بن زيد.

وروى عنه: علي بن الحسين. وهو أخو أبان وسعيد، يعد في أهل المدينة .

وحديث عمرة عن عائشة مما يشتمل عليه "الصحيحان" .

فرواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم [عن] قتيبة، بروايتهما عن مالك.

وما اقتص ابن أبي مليكة عن عائشة رواه البخاري عن عبدان، ومسلم عن محمد بن رافع، بروايتهما عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة.

والذي ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي: يريد ما كان يقوله ابن عمر مسندا له إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تارة بتوسيط أبيه، ففي "الصحيحين" من رواية شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن عمر; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت [يعذب] بما نيح عليه [في] قبره".

[ ص: 156 ] وتارة من غير واسطة، فروى مسلم في "الصحيح" عن حرملة، عن عبد الله بن وهب، عن عمر بن محمد; أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي".

وقولها: إنه لم يكذب أي: متعمدا.

وقوله: "إنهم يبكون عليها وإنها تعذب في قبرها" أي: تعذب هي بكفر لها، وهم يبكون لأغراض فاسدة ولا يدرون ما هي فيه، وأرادت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هكذا ففهم بعض من سمعه أنها تعذب لبكائهم فروى أن الميت يعذب ببكاء الحي.

وقوله: "جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلي" يشعر بأنهم كانوا لا يبغون التفرق ويجلسون حيث انتهوا ووجدوا فراغا.

وقول صهيب: "واأخياه واصاحباه" تصغير تعظيم، ويروى: "واأخاه" ويروى: "واحباه" والحب: الحبيب، وكأنه قصد بحكاية استحضار عمر رضي الله عنه للاستشهاد لما كان بينهما من المصافاة.

وقوله: "إن الله يزيد الكافر عذابا" فقد قال الشافعي رضي الله عنه: إن معناه أنه يزيده عذابا بكفره إذا بكوا عليه، والمعنى عند بكاء أهله عليه.

وعن المزني قال: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء والندب والنياحة ويأمرون به، فإذا عمل بأمره جاز أن يزاد في عذابه، كما أن من أمر بطاعة فعمل بها زيد في ثوابه.

وتكلم الشافعي في الحديثين من وجه آخر. فقال : حديث [ ص: 157 ] عائشة أشبه أن يكون محفوظا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لموافقته الكتاب والسنة، فالكتاب قوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى . والسنة أن رجلا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا ابنك؟ قال: نعم. قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" . فبين أن جناية كل امرئ تختص به.

وقول ابن عباس عند ذلك: "والله أضحك وأبكى" كأنه يشير به إلى أن الضحك والبكاء قد يغلبان فلا يكون للإنسان فيهما وحينئذ فلا يكون الباكي مؤاخذا بما هو مغلوب عليه فكيف يعذب به غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية