صفحة جزء
36 [ 892 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر; أنه كان يقول: إن ناسا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس.

قال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت [ ص: 158 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته .



الشرح

حديث أبي أيوب أخرجه البخاري عن علي بن المديني، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن مسدد، بروايتهم جميعا عن سفيان.

وحديث ابن عمر رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي، بروايتهما عن مالك، ويروى في حديث أبي أيوب: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها".

وفي حديث أبي هريرة مثله، وقد سبق في أول الكتاب .

وقوله: "شرقوا أو غربوا" قال الخطابي وغيره: هذا خطاب مع أهل المدينة ومن قبلته على سمت قبلتهم، فأما من كانت قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنه لا يغرب ولا يشرق .

والمراحيض: جمع مرحاض وهو موضع الفراغ، أخذت اللفظ من الرحض وهو الغسل.

واستقبال القبلة واستدبارها محرمان في الصحراء على مال هو قضية ظاهر النهي، وذلك إذا لم يستتر بشيء، فإن استتر ارتفع التحريم، روي عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنه أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن [ ص: 159 ] أليس قد نهي [عن] هذا؟! قال: بلى، نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس .

وروي عن أبي أيوب أن الحكم في البنيان كما هو في الصحراء من غير فرق، ويشعر به قوله: "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة ... إلى آخره".

ورأى ابن عمر، وبه قال مالك والشافعي تخصيص التحريم بالصحاري; فأما في البنيان فالأدب ترك الاستقبال والاستدبار أيضا ولكن لا تحريم; لحديث ابن عمر، فإن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة وهذا طريق يحصل به الجمع بين الحديثين، وقد ذكرنا غير ذلك في أول الكتاب.

وقول ابن عمر: "إن ناسا يقولون: إذا قعدت لحاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس" يجوز أن يريد: ولا تستدبرها، ويجوز أن يقال: أنه نهى عن استقبال بيت المقدس لتضمنه استدبار الكعبة لمن بالمدينة، وفرق بين الصحراء والبنيان بأن الفضاء من الأرض موضع الصلاة ومتعبد الملائكة والجن، فمستقبل القبلة ومستدبرها فيه مستهدف الأبصار، والأمر في البنيان بخلافه، ويروى عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن [أن] نستقبل القبلة ببول، ثم رأيته قبل أن يقبض [ ص: 160 ] بعام يستقبلها .

وقوله: على لبنتين كأنه قصد به التحرز عن الرشاش.

التالي السابق


الخدمات العلمية