صفحة جزء
236 [ 900 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رفع رأسه من الركعة الثانية قال: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" . .


الشرح

الوليد : هو ابن الوليد بن المغيرة المخزومي، ممن دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوته، ويروى أنه كان يفزع في نومه فشكى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه [ ص: 171 ] وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون" فقالها فذهب ذلك .

وسلمة هو ابن هشام بن المغيرة المخزومي، قتل في خلافة عمر رضي الله عنه يوم أجنادين .

وعياش: هو ابن [أبي] ربيعة المخزومي القرشي أبو عبد الله، هاجر مع عمر رضي الله عنه إلى المدينة وكان أخا أبي جهل لأمه فرده أبو جهل وأوثقه، ومات بالشام في خلافة عمر رضي الله عنه .

وحديث جعفر مرسل، لكن القصة مشهورة منقولة في الصحاح بأسانيد متصلة.

وحديث سفيان عن الزهري رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم، ومسلم عن عمرو الناقد وغيره، بروايتهم عن سفيان.

وبئر معونة: بين مكة وعسفان وأرض هذيل، وفي الصحيح [ ص: 172 ] عن أنس رضي الله عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبنو لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدوا فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى إذا كانوا ببئر معونة [قتلوهم] وغدروا بهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقنت شهرا يدعو في صلاة الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.

ورعل: قبيلة من سليم، واللام من بني لحيان تفتح وتكسر وهم قبيلة من هذيل، وفي "الصحيح" من رواية مسلم عن أبي الطاهر وحرملة، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في صلاة الفجر حين يكبر ويرفع رأسه: "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد" ثم يقول وهو قائم: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم العن لحيان و [رعلا] وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

وقوله [في رواية جعفر بن محمد] : "أقام خمس عشرة ليلة" كذلك هو في رواية حميد الطويل وعلقمة بن أبي علقمة عن أنس، والأثبت وهو الذي رواه قتادة وعبد العزيز بن صهيب وأبو مجلز [ ص: 173 ] وأنس بن سيرين وموسى بن أنس وعاصم بن سليمان الأحول عن أنس رضي الله عنه: "أنه قنت ودعا عليهم شهرا".

والمذكور في روايتي الكتاب صلاة الصبح، لكن القنوت إذا نزلت نازلة لا يختص بصلاة الصبح، وفي "الصحيحين" من رواية شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي العشاء إذ قال: "سمع الله لمن حمده".

ثم قال قبل أن يسجد: "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك ( عن) مضر"
.

وعن أبي هريرة: أنه كان يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة والصبح .

وعن البراء بن عازب; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الصبح والمغرب .

وعنه أيضا; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها.

[ ص: 174 ] وقوله في حديث جعفر بن محمد: قال: "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد" يدل على أن الإمام يجمع بين الكلمتين، خلافا لقول من خالف فيه، ويؤيده ما ذكرنا من رواية ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة.

وفي القصة أنه يحسن القنوت في الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة، وأنه قنت بعد الركوع، وما روي من التقيد بمدة وأنه ترك بعد ذلك فهو محمول عند الشافعي رضي الله عنه على الترك فيما سوى الصبح، وعلى ترك الدعاء لقوم معينين وعلى قوم معينين في صلاة الصبح، وروي نحو منه عن عبد الرحمن بن مهدي، فأما أصل القنوت في صلاة الصبح فإنه لم يتركه; لما روي عن الربيع بن أنس -وكان من تابعي البصرة، روى عنه: سليمان التيمي، وعبد الله بن المبارك، وغيرهما، ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم فيما رواه ابن أبي حاتم -عن أنس بن مالك; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا يدعو عليهم ثم ترك، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا .

وعن قتادة عن أنس قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقنت وخلف عمر فقنت وخلف عثمان رضي الله عنهما فقنت .

[ ص: 175 ] وعن طارق قال: صليت خلف عمر الصبح فقنت .

ويروى القنوت في الصبح عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهو عن علي رضي الله عنهم أشهر، وعن البراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الصبح.

ويروى ذلك عن فعل البراء أيضا.

وقوله: "اشدد وطأتك" أي: أخذك وعقوبتك، قال الخطابي: وأراد ضيق المعيشة، واللفظ مأخوذ من وطء الدابة الشيء، ويقال: وطئهم العدو وطأ شديدة إذا أثخن فيهم. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية