صفحة جزء
1337 الأصل

ومن كتاب إبطال الاستحسان

[ 1265 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة: وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العجلاني وهو أحيمر سبط نضو الخلق فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت شريك بن السحماء -يعني ابن عمه- وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين [حال] الخلق يصيب فلانة -يعني امرأته- وهي حبلى وما قربتها مذ كذا، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا فجحده ودعا المرأة فجحدت; فلاعن بينها وبين زوجها وهي حبلى، ثم قال: "تبصروها فإن جاءت به أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب" فجاءت به أدعج عظيم الأليتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا: "إن أمره لبين، لولا ما قضى الله" . يعني: أنه لمن زنا "لولا ما قضى الله من ألا يحكم على أحد إلا بإقرار أو باعتراف على نفسه لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة" فقال: "لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره" ولم يعرض لشريك ولا للمرأة، والله أعلم، وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ثم علم بعد أن الزوج هو الصادق .


الشرح

يحكى عن أبي حنيفة القول بالاستحسان، وفسره متقدمو أصحابه [ ص: 353 ] بمجرد ما يميل الطبع إليه ويقع في النفس، وأنكر الجمهور المصير إليه وقالوا: لم يبعث الأنبياء إلا للمنع من اتباع هوى النفوس، ورد الشافعي عليه فقال: من استحسن فقد شرع، واحتج أيضا بما ضمه هذا الباب; وأما المتأخرون من أصحابه فإنهم استبشعوا ذلك وفسروا الاستحسان بما لا يخالفون فيه.

وقوله: عن هشام بن عروة: وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – العجلاني" قال الحافظ أبو بكر البيهقي : توهم أبو عمرو بن مطر أو من خرج المسند من المبسوط أن قوله: وجاء العجلاني من قول هشام فركبه على إسناد حديث مالك، وليس للحديث أصل من رواية مالك عن هشام; وإنما أراد الشافعي حديث مالك عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة المذكور في الباب من بعد، لكنه انقطع في هذا الموضع إما لخلل وقع في نسخة الأصل، أو لقطع الشافعي لكراهيته إثباته من الحفظ، وقصده الرجوع إلى أصله، ثم كتب بلا إسناد وجاء العجلاني.

وفي بعض النسخ العتيقة الأصل بين قوله: عن هشام بن عروة، وبين قوله: وجاء العجلاني بدائرة.

ثم ما ذكر أن العجلاني قذف امرأته بشريك قد مر أن الروايات المشهورة لا تشتمل عليه، وأن لذلك ذكرا في رواية الواقدي وغيره.

وقوله: "حال الخلق" كأن المراد حليل الخلق ضخم الأعضاء.

وقوله: "فدعا شريكا فجحد" غير مذكور في الروايات الموصولة، [ ص: 354 ] نعم روي ذلك عن تفسير مقاتل بن حيان، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: ويحتمل أن الشافعي أخذه منه فإنه كان مسموعا له، وذكر في الأم في قصة العجلاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحضر المرمي به.

وقوله: "إن أمره لبين" يعني: أمر الولد، فإنه من الزنا، لكن الله تعالى قضى باللعان بأنه لا حد إلا ببينة [أو] اعتراف.

وقوله: "إلا بإقرار أو اعتراف على نفسه" قيل: أنه غلط، والصواب إلا ببينة أو اعتراف.

وقوله: "وإن كانت بينة" أي: وإن كانت الحال ظاهرة بالأشباه والأمارات، والمقصود أن الحكم يجري على ظاهر الحال والله.

وإن كان يستحسن المصير إليها والعمل بمقتضاها.

التالي السابق


الخدمات العلمية