صفحة جزء
118 الأصل

[ 100 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عمرو بن أبي سلمة، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أمني [ ص: 249 ] جبريل عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر حين كان الفيء مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله، وصلى المغرب - حين أفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى المرة الأخيرة الظهر حين كان كل شيء بقدر ظله قدر العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب للقدر الأول لم يؤخرها، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين. .

قال الشافعي: بهذا نأخذ، وهذه المواقيت في الحضر.


الشرح

عبد الرحمن: هو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو الحارث القرشي المخزومي.

حدث عن: حكيم بن حكيم، وعمرو بن شعيب، وزيد بن علي.

وسمع منه: الثوري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي.

مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.

وحكيم: هو ابن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري أخو عثمان بن حكيم [ ص: 250 ]

روى عن: نافع بن جبير، وأبي أمامة بن سهل.

وروى عنه: سهيل بن أبي صالح، وغيره.

ونافع: هو ابن جبير بن أبي مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المديني أبو محمد.

سمع: ابن عباس، وأبا هريرة، وعائشة، وجرير بن عبد الله.

وروى عنه: عروة بن الزبير، ومحمد بن سوقة، وعمرو بن دينار، وعقبة بن مسلم.

توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك.

والحديث ثابت مشهور: رواه الحميدي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي كذلك، ورواه سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث، وأخرجه أبو داود من حديث الثوري.

وقصة إمامة جبريل رواها جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأبو [ ص: 251 ] سعيد، وغيرهم أيضا.

وقوله: عند باب البيت قد يستشهد به لاستحباب أداء الفرائض خارج البيت.

وقوله: حين كان الفيء مثل الشراك في بعض الروايات يذكر: حين زالت الشمس، والمقصود أن الظل في حالة الاستواء في غاية النقصان ويختلف قدره بالفصول والبلدان، وهي المشهور أن الشمس إذا استوت فوق الكعبة في أطول يوم من السنة لم ير لشيء من جوانبها ظل، فإذا ظهر الفيء قليلا في جانب الشرق وإن كان قدر الشراك فقد زالت الشمس.

وقوله: ثم صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله يعني: سوى ما يبقى حالة الاستواء، واللفظة من المقلوب، المعنى: حين كان ظل كل شيء بقدره، وذكر في المرة الثانية: أنه صلى الظهر حين كان كل شيء بقدر ظله قدر العصر بالأمس، أي: وقت العصر، وقد يوهم هذا اشتراك الصلاتين في بعض الوقت؛ لكن أوله الشافعي على أنه ابتدأ بالعصر في اليوم الأول حين كان ظل الشيء مثله، وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثله، ودليل هذا التأويل: ما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ووقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر.

وقوله: ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه مع قوله آخرا: والوقت فيما بين هذين الوقتين يقتضي انتهاء [ ص: 252 ] وقت العصر بمصير الظل مثليه، وقد ذهب إليه بعض أصحابنا، لكن الظاهر امتداده إلى غروب الشمس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.

وخبر ابن عباس محمول على أن الاختيار: أن لا يؤخر العصر عن مصير الظل مثليه.

وقوله: ثم صلى المغرب للقدر الأول لم يؤخرها أي: للوقت الأول، واحتج به الشافعي على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد؛ لأن إتيان جبريل عليه السلام وإقامته في اليومين كان لبيان مواقيت الصلاة، يوضحه ما في رواية جابر: أن جبريل عليه السلام أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمه الصلاة فجاءه حين زالت الشمس... وساق الحديث، فلو كان له وقت آخر لبينه كما بين في سائر الصلوات، وهذا قوله الأظهر، وله قول آخر: أنه يمتد إلى غروب الشفق واختاره طائفة من الأصحاب، وورد في الصحيح أحاديث تصرح به، وذكر جماعة من الحفاظ أنه آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن إمامة جبريل كانت بمكة، ألا تراه يقول: عند باب البيت.

والشفق: الحمرة، وبه قال عمر، وابن عمر، وابن عباس، وعبادة بن الصامت - رضي الله عنهم -.

وقوله: ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثلث الليل لصلاة العشاء كمصير الظل مثليه لصلاة العصر، وكذا للإسفار لصلاة الصبح [ ص: 253 ]

وفي الحديث تقديم صلاة الظهر على سائر الصلوات، يقال لها لذلك: الصلاة الأولى.

وقوله: هذا وقت الأنبياء قبلك يمكن حمله على ما روي من نسبة كل صلاة من الصلوات الخمس إلى نبي من الأنبياء، فعن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن هذه الصلوات فقال: هذه مواريث آبائي وإخواني: أما صلاة الهاجرة فتاب الله على داود حين زالت الشمس فصلى لله تعالى أربع ركعات فجعلها الله لي ولأمتي تمحيصا ودرجات، ونسب صلاة العصر إلى سليمان، والمغرب إلى يعقوب، وصلاة العشاء إلى يونس، وصلاة الفجر إلى آدم؛ فكأن المعنى أن كل واحد منهم صلى الصلاة المنسوبة إليه في الوقت الذي بينه.

وقوله: والوقت فيما بين هذين الوقتين أي: وقت كل واحدة من هذه الصلوات يمتد من الوقت الذي صليت فيه المرة الأولى إلى الوقت الذي صليت فيه المرة الثانية.

وقول الشافعي: وبهذا نأخذ هو قوله الجديد؛ فأما قوله القديم: وهو امتداد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق فإنه يخالف قضية الحديث.

وقوله: وهذه المواقيت في الحضر يريد غالب الحال وهو ما إذا لم يوجد سبب يرخص في الجمع ونقل الصلاة من وقتها الأصلي إلى وقت أختها.

التالي السابق


الخدمات العلمية