صفحة جزء
110 الأصل

[ 1460 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمد، حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة، فجئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب، فقلت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة وإنه لحديث ما منه بد وإني لأستحيي منه، قال: "فما هو يا هنتاه؟" قالت: إني امرأة أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما ترى فيها فقد منعتني من الصلاة والصوم؟

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم".

قالت: هو أكثر من ذلك [ ص: 72 ] .

قال النبي - صلى الله عليه وسلم – "فتلجمي".

قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتخذي ثوبا".

قالت: هو أكثر من ذلك إنما [أثج] ثجا.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم ، قال لها : "
"إنما هي ركضة من ركضات الشيطان ، فتحيضي ستة أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها ، أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي ، فإنه يجزئك ، وكذلك افعلي في كل شهر [كما] تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن" .
.


الشرح

[إبراهيم] : هو ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي، أبو إسحاق.

سمع: عائشة، وأبا هريرة، وعبد الله بن شداد وعمه عمران بن طلحة.

وعمران: أحد بني طلحة بن عبيد الله التيمي، من أهل الحجاز [ ص: 73 ] .

سمع: عليا - رضي الله عنه -، وأمه حمنة .

وحمنة: هي بنت جحش الأسدية أخت زينب بنت جحش زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومنهم من يقول: هي أم حبيبة بنت جحش والأصح الأول، وأم حبيبة بنت جحش التي يأتي ذكرها وذكر استحاضتها من بعد: أختهما، وادعى بعضهم أن حمنة هي أم حبيبة، وأن حمنة اسم وأم حبيبة كنية، والأظهر الأول، وأن حمنة كانت تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف.

والحديث أخرجه أبو داود في "السنن" عن زهير بن حرب عن عبد الملك بن عمرو عن زهير بن [محمد] عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وأبو عيسى الترمذي في "جامعه" وزادا بعد قوله: "ميقات حيضهن وطهرهن": "وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، فصومي إن قدرت على ذلك".

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وهذا أعجب الأمرين إلي" والشافعي أورد هذه الرواية في كتابه، لكن خلل بينها وبين ما سبق: قوله: وهذا يدل [ ص: 74 ] على أنها كانت تعرف أيام حيضها ستا أو سبعا فلذلك قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال . فيقال: أن أبا العباس حسب أن ما بعد هذه الكلمة من كلام الشافعي أيضا ولم ينقله في "المسند"، وحكى أبو عيسى الترمذي عن أحمد بن حنبل أنه حكم بصحة الحديث، وعن البخاري أنه قال: هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم فلا أدري أسمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟.

وقوله: "يا هنتاه" أي: يا هذه وقد [تسكن منه] النون وهي كلمة يكنى بها عن الشيء، يقال للمذكر: هن، وللمؤنث هنة.

وقوله: "أنعت لك الكرسف" [أي: أصفه] لك لتستعمليه وتدفعي به الدم، والكرسف: القطن.

وقوله: "تلجمي" أي: شدي عليك اللجام وهو ما تشده الحائض عليها، وذكر أن اللجام فارسي معرب.

والثج: الصب، أي: أصب صبا.

وقوله: "إنما هي ركضة من ركضات الشيطان" قال أبو سليمان الخطابي: أراد أن الشيطان قد لبس عليها أمر دينها في صلاتها وصيامها وكأنه ركضها، وأصل الركض: الضرب بالرجل والإصابة بها وذلك سبب الإضرار والإفساد.

واختلفوا في أن حمنة كانت معتادة أو مبتدأة فقال: ما يكون كانت معتادة [ ص: 75 ] .

وقوله: "تحيضي ستا أو سبعا" كأنه - صلى الله عليه وسلم - عرف أن عادتها السابقة أحج العددين ولم يعرف عينه فقال: تحيضي ستا إن كانت عادتك الست، وسبعا إن كانت عادتك السبع، أو عرف أنها شكت في أن عادتها هذا العدد فقال: إن لم تتذكري فتحيضي ستا أخذا باليقين وإن تذكرت أنها كانت سبعا فتحيضي سبعا، أو عرف أن عادتها كانت تختلف فربما حاضت ستا وربما حاضت سبعا فقال: انظري في الشهر الذي تلته الاستحاضة إن حضت فيه ستا فتحيضي ستا وإن حضت سبعا فتحيضي سبعا.

وقال آخرون: مبتدأة لا تمييز لها، وردها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غالب عادات نسائها فقال: إن كانت عادة نسائك ستا فتحيضي ستا، وإن كانت عادتهن سبعا فتحيضي سبعا.

وقوله: "في علم الله" أي: فيما علمك الله من عادتك أو عادة نسائك.

ومن الأصحاب من جعل قول الشافعي في أن المبتدأة التي لا تمييز لها ترد إلى الأقل والغالب ناشئين من الخلاف في حال حمنة، إن قلنا: أنها كانت مبتدأة؛ رددنا المبتدأة إلى الغالب أخذا بالحديث، وإن قلنا: كانت معتادة؛ رددنا المبتدأة إلى الأقل اقتصارا على اليقين.

وقوله: "حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها" يدل إذا قلنا: أنها كانت مبتدأة على أن المبتدأة كما ترد في الحيض إلى الغالب ترد في الطهر إلى الغالب، وهو وجه للأصحاب.

وأما الزيادة على ما في الكتاب وهي قوله:" وإن قويت ... إلى آخره ... [ ص: 76 ] .

واعلم أن المستحاضة الناسية لعادتها وقتا وعددا يجب عليها أن تغتسل لكل فريضة؛ لأنه يحتمل أن يكون انقطاع دمها قبيل تلك الصلاة فلا تدخل فيها إلا بعد الغسل، وما روي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة؛ أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح .

ويروى أنها أمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا واحدا، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا واحدا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلا .

قال أبو سليمان الخطابي: لما رأى أن الأمر طال عليها وشق رخص لها في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد كالمسافر الذي رخص له في الجمع بين الصلاتين لما يلحقه من مشقة السفر، ويمكن أن يعد هذا الترخيص والتخفيف من خصائص تلك المرأة.

وأما ذكر الاغتسال والجمع بين الصلاتين بغسل واحد في حديث حمنة ففيه إشكال سواء قدرت معتادة أو مبتدأة؛ أما على تقدير أنها كانت معتادة فلأنها لم تكن ناسية مطلقة وإنما نسيت أن عادتها كانت ستا أو سبعا على ما تقدم؛ وأما على تقدير أنها كانت [ ص: 77 ] مبتدأة فلأن المبتدأة لا تحتاط بعد خمسة عشر يوما من أول الدورة؛ والأصح من القولين أنها لا تحتاط بعد ما ردت إليه من الأقل والغالب إلى تمام خمسة عشر أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية