صفحة جزء
1786 [ 1474 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليا يقول: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فقال: "ما هذا يا حاطب؟"

قال: لا تعجل علي، كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرابتهم ولم يكن لي بمكة قرابة إذ فاتني ذلك أن أجد عندهم يدا، والله ما فعلت شكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد صدق".

فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد شهد بدرا،
وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، ونزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة
.


[ ص: 95 ] الشرح

حاطب: هو ابن أبي بلتعة وهو ابن عمر بن عمير بن سالمة أبو محمد حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي.

روى عنه: جابر، وابن عمر، وابنه عبد الرحمن.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بعثه] إلى المقوقس ملك الإسكندرية.

توفي سنة ثلاثين وهو ابن خمس وستين سنة .

والحديث مدون في "الصحاح" من رواية سفيان بن عيينة، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن إدريس أيضا عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه، وقال: "فبعثني ومعي الزبير بن العوام وأبا مرثد الغنوي" ولم يذكر المقداد، ويمكن أن يكون المقداد وأبو مرثد معا من المبعوثين فذكر هذا في رواية وهذا في رواية.

وروضة خاج: موضع بقرب حمراء الأسد من المدينة، وقيل: موضع قريب من مكة؛ والأول أظهر، ويقال: أن أبا عوانة وهم فيه فقال: روضة خاج جعل آخر الكلمة جيما.

والظعينة: المرأة، والأصل فيها الهودج الذي تكون فيه المرأة، وقيل: لا تسمى المرأة ظعينة إلا إذا كانت راكبة.

وقوله: "تعادي بنا خيلنا" أي: تجري، يقال: عدت الخيل تعدو [ ص: 96 ] عدوا وعدوا إذا جرت.

وقوله: "لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب يريد تهديدها بالتجريد.

والعقاص: ما وصل به الشعر ليبقى ملتويا، والعقص: لي الشعر على الرأس وتداخل أطرافه في أصوله.

وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي: أنها كانت قد جعلته في إزارها أو في ذؤابة من ذوائبها، وأن اسم تلك المرأة سارة.

وقوله: "يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – " هو أنه كتب أن محمدا يريد أن يغزوكم بأصحابه فخذوا حذركم.

وفي القصة معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إنه اطلع على الأمر المكتوم وأخبر أنهم يلحقونها في موضع كذا فكان كذلك، ودلالة على فضيلة أصحاب بدر وأنهم غفر لهم ما يعملون، وعلى صلابة عمر رضي الله عنه.

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: وفيه من الفقه: أن حكم المتأول في استباحة المحظور عليه خلاف حكم المتعمد لاستباحته من غير تأويل، وأنه إذا تعاطى شيئا من المحظور وادعى أمرا يحتمله التأويل كان القول فيه قوله وفي [.. ..]، قال: وفيه دليل على أن الجاسوس لا يقتل إذا كان مسلما، وأورد أبو داود السجستاني الحديث في باب هذا ترجمته.

قال الخطابي: واختلفوا فيما يفعل به، فقيل: [.. ..] عقوبته [ ص: 97 ] [.. ..] حبسه، وقيل: إن كان مسلما عاقبه الإمام بما ينكله ويغربه، وإن كان ذميا انتقض عهده.

وقال الشافعي : قد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أنه ) قال: "تجافوا لذوي الهيئات " وقيل في الحديث: "ما لم يكن حدا" وكان حاطب من ذوي الهيئة وفعل ما فعل بجهالة ولم يتهمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذوي الهيئة يعزره الإمام كما يراه.

قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أنه يجوز النظر إلى ما ينكشف من النساء لإقامة حد وإقامة شهادة في إثبات حق، وقد يستدل به على جواز إطلاق اسم المنافق على من صدر منه ما يشبه أفعال المنافقين وأحوالهم وإلا لأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على عمر - رضي الله عنه - تسميته منافقا.

التالي السابق


الخدمات العلمية