صفحة جزء
1047 [ 1480 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها -قال الشافعي: كأنه يعني ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن آخر الحديث يدل على ذلك- قال عمران بن [ ص: 105 ] حصين: فكانت تكون فيهم، وكانوا يجيئون بالنعم إليهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتتركه، حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة، فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت، فطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها، فجعلت لله عليها أن الله إن أنجاها عليها لتنحرنها، فلما قدمت عرفوا الناقة وقالوا: ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فقالت: أنها قد جعلت لله عليها لتنحرنها.

قالوا: والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "
بئسما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد" أو قال: "ابن آدم" .
.


الشرح

الحديث الأول قد سبق مختصرا بالإسناد المذكور، وذكرنا بعض ما يتعلق به، وفيه بيان شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمته حيث ناداه الأسير مرة بعد أخرى ويجيئه ويأتيه ويصغي إليه، وأن الأسير من الكفار يجوز أن يقيد ويعذب، وأن جريرة بعض الحلفاء والمعاهد تؤثر في حق الآخرين، وفي كلام الشافعي أنه ليس جهة التأثير مؤاخذة الإنسان بذنب غيره؛ فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولكن شرك المشرك يقتضي [ ص: 106 ] إباحة التعرض لدمه وماله إلا أن الحال قد يقتضي المسامحة والإمهال، فإذا سالمناهم وعهدنا على أن يمتنعوا فلا يجوز واحد منهم وفينا ما وفوا، فإذا خان بعضهم فقد فات شرط الوفاء فجاز لنا أن نعود إلى أسر الباقين وقتلهم لشركهم.

وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" أي: لو كان إسلامك قبل الأسر لعصمك عن القتل والإرقاق جميعا، فأما بعد الأسر فإنه لا يوجب التخلية ولا منع الإرقاق.

واحتج بعضهم بالحديث على أن الكافر إذا قال:" أنا مسلم" لا يحكم بإسلامه؛ لأنه قد يريد أنه منقاد مستسلم، بل لا بد وأن يشهد بالوحدانية والرسالة، ولو كان محكوما إسلامه لما رده إلى الكفار، ولكن ذكر الشافعي في الأم: إنما رده لعلمه بأنهم لا يتعرضون لشرفه فيهم، أو لأن قومه يحمونه، وهذا مصير الحكم بإسلامه، ويجوز أن يقال: أنه تلفظ بما لا بد منه ثم قال: "أنا مسلم"، وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك ... إلى آخره" يشعر أيضا بالحكم بإسلامه.

وقوله: "فيم أخذت و [فيم ] أخذت سابقة الحاج" قد يسبق إلى الفهم منه أنه يعني نفسه ويقول: أنا من سابقة الحاج فلم أخذت، لكن روى مسلم في "الصحيح" عن أبي الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة بإسناده وقال: "كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، وكان ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 107 ] [وهو في الوثاق، قال: يا محمد ... ] الحديث، وهذا يبين أن قوله: وفيم أخذت سابقة الحاج يريد: العضباء.

وقول [.. ..] أي: فداه وأمسك ناقته تلك.

والحديث الثاني مخرج في "الصحيحين" وقد يجمع بين القصتين ويعدان حديثا واحدا.

وقوله: وهي "ناقة هدرة" أي: صائحة، يقال: هدر البعير إذا صاح أي: لم ترغ في تلك الحالة مع كونها هدرة، ويروى: وكانت مجرسة أي: مجربة في الركوب والسير.

وفيه دليل على أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء عليها فإنهم كانوا قد [أحرزوا] الناقة ثم أحرزتها المرأة، وقد أشار بقوله: "ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو ابن آدم" إلى أنها لا تملك الناقة.

التالي السابق


الخدمات العلمية