صفحة جزء
165 الأصل

[ 120 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيما في حجر أبي محذورة حين جهزه إلى الشام، فقلت لأبي محذورة: أي عم إني خارج إلى الشام وإني أخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أبا محذورة.

قال: نعم، خرجت في نفير - وفي بعض النسخ: فأخبرني أبو محذورة قال: خرجت في أمر - فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله من حنين ولقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟" فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، فقال: "قم فأذن بالصلاة".

فقمت ولا شيء أكره إلي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فألقى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التأذين هو بنفسه فقال: قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد [ ص: 277 ] أن محمدا رسول الله، ثم قال لي: "ارجع فامدد من صوتك"، ثم قال: قل: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أمرها على وجهه، ثم أمر بين ثدييه، ثم على كبده، حتى بلغت يده سرة أبي محذورة وقال: "بارك الله لك وبارك عليك".

فقلت: يا رسول الله، مرني بالتأذين بمكة.

فقال: "قد أمرتك به" وذهب كل شيء كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كراهية وعاد ذلك كله محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنت بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.


قال ابن جريج: وأخبرني ذلك من أدركت من آل أبي محذورة على نحو ما أخبر ابن محيريز.

قال الشافعي: وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز، وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى ما حكى ابن جريج.


الشرح

عبد العزيز: هو ابن عبد الملك بن أبي محذورة القرشي المكي.

سمع: عبد الله بن محيريز [ ص: 278 ]

وروى عنه: ابن جريج، ومحمد بن سعيد.

وعبد الله بن محيريز هو أبو محيريز الجمحي القرشي الشامي.

سمع: أبا سعيد الخدري، وأبا محذورة.

وسمع منه: الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، ومكحول، وابنه عبد الرحمن.

ومات في أيام الوليد بن عبد الملك.

وأبو محذورة: قيل: اسمه أوس، وقال أكثرهم: سمرة بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح القرشي المكي مؤذن المسجد الحرام.

روى عنه: ابنه عبد الملك، وكان الأذان بمكة في آله وعقبه بعده، وفيهم جماعة من الرواة.

وعتاب: هو ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاه - حين شخص إلى حنين - الصلاة بأهل مكة، وهو الذي حج بالناس في تلك السنة وهي سنة ثمان من الهجرة، ويقال: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وعتاب عامل على مكة.

وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة: هو أبو إسماعيل المكي القرشي.

سمع: جده عبد الملك [ ص: 279 ]

وسمع منه: الحميدي، وعبد الله بن عبد الوهاب.

والحديث صحيح: أخرجه مختصرا مسلم وأبو داود والترمذي، وأخرجه ابن ماجه بتمامه عن محمد بن بشار ومحمد بن يحيى عن أبي عاصم، عن ابن جريج.

وقوله: في حجر أبي محذورة في اللفظ لغتان: فتح الحاء وكسرها، والجمع: حجور، واللغتان جاريتان في الحجر بمعنى الحرام، وكون الصغير في حجر الإنسان إذا لم يكن بجهة الولاية قد يكون بالوصاية، وقد يكون بالإنابة من جهة الحاكم، وتسمية أبا محذورة عما يمكن أن يكون لأنه كان في حجره، وأن يكون لأنهما جمحيان، وأن يكون لمجرد كبر السن.

وقوله: فقفل، القفول: الرجوع من السفر، وقوله: متنكبون أي: متجنبون، وقوله: فأرسل إلينا إلى أن وقفنا، وقوله: فأعطاني صرة فيها شيء من فضة كأنه كان فيها مع الفضة شيء من خرز ونحوها، وإلا لأشبه أن يقول: فيها فضة.

والحديث أصل في الترجيح وهو تكرير كلمتي الشهادة بعد الإتيان بهما مرتين مرتين، وفي أنه يرفع صوته إذا كرر على ما قال: "ثم ارجع فامدد من صوتك" وفيه دليل على أن الأذان يشرع للمسافرين كما للحاضرين، ويشبه أن يكون أبو محذورة ومن معه حينئذ مسلمين في الظاهر وأن الإيمان لم يكن مستقرا في قلوبهم، أما أنهم كانوا مسلمين [ ص: 280 ] في الظاهر: فلأنه أرسل إليهم محضرا، ولأنه أمره بالأذان والكافر لا يؤمر بالأذان؛ وأما أنه لم يكن الإيمان مستقرا في قلوبهم: فلقوله: ونحن متنكبون ولقوله: نحكيه ونستهزئ به ولقوله: ولا شيء أكره إلي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به.

وقوله: فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: سمع الصوت الرفيع عند الصراخ، ولم يقف على حالهم في الحكاية والاستهزاء وإلا لأدبهم وما خلاهم.

وقوله: وحبسني أي: أمرني بالتوقف لأؤذن ثم أمره بالتأذين، وإلقاء الأذان عليه يجوز أن يكون الغرض منه مجرد تعليمه ليقوم بالأذان للصلوات، وفيه دليل على أنه يختار للأذان من هو أرفع صوتا، ويجوز أن يقال: أمره بالتأذين للصلاة الحاضرة، فقد يشعر به قوله - صلى الله عليه وسلم -: قم فأذن بالصلاة وعلى هذا التقدير ففي الحديث دليل على أنه يحسن الأذان بعد الأذان، إذا كان قد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإعطاؤه وإمرار اليد على مقاديم بدنه والدعاء له كان تلطفا من النبي - صلى الله عليه وسلم - واستمالة له، فأذهب الله ببركته الكراهية عن قلبه وحبب إليه التأذين حتى استدعى القيام به بمكة.

التالي السابق


الخدمات العلمية