صفحة جزء
656 الأصل

[ 474 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر; أنه كان يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك.


[ ص: 186 ] الشرح

أورد البخاري الأثر بلا إسناد وزاد في آخره: وكان يحتجم بالليل.

واختلف الصحابة فمن بعدهم في الحجامة للصائم:

فعن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعائشة وزيد بن أرقم وأم سلمة أنهم لم يروا بها بأسا، وبهذا قال أكثر الفقهاء.

وكرهها آخرون منهم: الحسن وابن سيرين ومسروق.

وعن أبي موسى وأنس وابن عمر أنهم كانوا يؤخرونها إلى الليل.

ثم من هؤلاء من قال: إنها تفطر الصائم وبه قال أحمد; لما روي عن شداد بن أوس قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال وهو آخذ بيدي: أفطر الحاجم والمحجوم ويروى الحديث من رواية رافع بن خديج وثوبان وغيرهما، ورواه البخاري عن الحسن عن غير واحد مرفوعا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تلون فيه، ويدل على ما ذهب إليه الأكثرون ما روي عن ابن عباس; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم محرم. أخرجه البخاري [ ص: 187 ] في الصحيح .

وتكلموا في قوله: أفطر الحاجم والمحجوم من وجوه:

أحدها: عن أبي الأشعث الصنعاني أن الحاجم والمحجوم كانا يغتابان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفطر الحاجم والمحجوم. أي: بطل أجر صومهما.

والثاني: أراد أنهما تعرضا للإفطار، أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه، وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يبدر شيء إلى جوفه عند الامتصاص، وهذا كما يقال لمن تعرض للمهالك هلك.

والثالث: أنه مر بهما مساء، فقال: أفطرا أي: دخلا في وقت الفطر، كما يقال: أصبح وأمسى وأضحى إذا دخل في هذه الأوقات.

والرابع: أن المعنى أنه حان لهما أن يفطرا كما يقال: احصد الزرع، إذا حان أن يحصد.

والخامس: عن الشافعي أن قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" مقيد بزمان الفتح، ولم يصحب ابن عباس النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو محرم إلا في حجة الوداع وهي متأخرة عن الفتح لسنتين فيشبه أن يكون ما رواه ابن عباس ناسخا لقوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" ويستحب للصائم ترك الحجامة توقيا عن الخلاف.

وأيضا فلأنه يورث الضعف، وفي الصحيح عن ثابت البناني قال: سئل أنس بن مالك كنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا [ ص: 188 ] من أجل الضعف . وعلى نحو ذلك تنزل ترك ابن عمر الحجامة في إثر الكتاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية