صفحة جزء
769 [ 529 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء قال: لم يوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق .


الشرح

حديث أبي الزبير عن جابر رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن روح بن عبادة عن ابن جريج، وعن محمد بن حاتم وعبد بن حميد عن محمد بن بكر عن ابن جريج، واللفظ في هذه الرواية: سمع جابرا يسأل عن المهل. فقال: أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وليس في كتاب مسلم: وأهل المغرب.

والمراد من المهل: موضع الإهلال.

[ ص: 251 ] وقوله: "ثم انتهى" أي: أمسك فلم يذكر ممن سمعه، وظن الراوي أنه يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: ويهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة يفهم أن المتوجهين من المدينة لهم طريقان يمتد أحدهما إلى ذي الحليفة فمنه يهلون، والآخر يمتد إلى الجحفة فمنها يهلون، وهذا الطريق طريق أهل الشام [والمغرب] وهو يهلون جميعا من الجحفة.

وقوله: ويهل أهل العراق من ذات عرق قيل: العراق: شاطئ النهر والبحر، وسمي العراق عراقا لأنه على شاطئ دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر، وقيل: العراق: الخرز الذي في أسفل القربة، وعلى هذا فمن قائل: إنه سمي عراقا لاستفاله عن أرض نجد، ومن قائل: لامتداده كامتداد ذلك الخرز، ومن قائل: لإحاطته بأرض العرب كإحاطة ذلك الخرز بالقربة، وقيل: سمي عراقا لكثرة عروق الشجر فيه، وقيل: إنه معرب إيران، وذكر أن ذات عراق سميت به لأن هناك عرقا وهو الجبل الصغير كأنه عرق جبل آخر، والعقيق: موضع قبيل ذات عرق، والإحرام منه أحب.

وقول عطاء: وقت لأهل المدينة ذا الحليفة أي: قدر وعين، وكثيرا ما يطلق الشافعي التأقيت ويريد التقدير.

وقوله: ومن سلك نجدا ... إلى آخره، يريد أن غير أهل نجد إذا انتهوا إليه وسلكوه يحرمون من قرن أيضا كأهل نجد.

وقوله: "قرى المعاول" هكذا توجد النسخ "المعادل" أو [ ص: 252 ] "المعاول" ولا أتحقق "المعادل"; فأما بالواو فيمكن حمله على ما ذكر صاحب صحاح اللغة أن المعاول: حي من أزد اليمن والله أعلم.

ومقصود ما روي في الفصل أن أهل العلم اختلفوا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل حد ذات عرق لأهل المشرق؟

فمنهم من قال: نعم، كما حد ذا الحليفة والجحفة وغيرهما، ويروى هذا عن عروة بن الزبير وبه قال عطاء كما رواه الشافعي عنه، وذكر ابن جريج في الرواية الثانية أنه قال: "راجعت عطاء فيه وحكيت له قول من يقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل مشرق حينئذ" أي: لم يكونوا مسلمين "ولم تفتح العراق" فقد ثبت على ما قال، وقال: سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق.

وقوله: "ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق" كأنه أراد وإن لم تفتح العراق، لكنه وقت لمن هو من أرض العرب في ناحية الشرق.

قوله: "ولم يعزه" أي: لم ينسب توقيت ذات عرق إلى أحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى أن يكون توقيتها من جهة غيره، وعلى هذا القول ينطبق ظن من ظن أن جابرا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيده ما روي عن أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق . وعن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت [لأهل] المشرق العقيق . وقد رواهما [ ص: 253 ] أبو داود في السنن.

وقال آخرون: لم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما حد ذات عرق عمر رضي الله عنه بعدما فتح العراق، ويدل عليه ما روي في الصحيح عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد لأهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا، وإن أردناه شق علينا؟

قال: فانظروا حذوا من طريقكم فحد لهم ذات عرق.


وبهذا قال طاوس وأبو الشعثاء كما رواه الشافعي عنهما، وبه أخذ حيث قال بعد قول طاوس: ولا أحسبه إلا كما قال طاوس وذكر في الأم أن جابرا لم يسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب أو غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهم، وحاول الحافظ أبو بكر البيهقي الجمع بين القولين فقال: يحتمل أن تكون الأخبار ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تبلغ عمر رضي الله عنه فحد لهم ووافق تحديده توقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

التالي السابق


الخدمات العلمية