صفحة جزء
51 الأصل

[ 47 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن سليم، أخبرني أبو هاشم إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وفد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق، فأتيناه - صلى الله عليه وسلم - فلم نصادفه وصادفنا عائشة، فأتينا بقناع فيه تمر - والقناع: الطبق [فأكلنا] وأمرت لنا بخزيرة صنعت ثم أكلنا فلم نلبث أن جاء النبي - عليه السلام - فقال: "هل أكلتم شيئا؟ هل أمر لكم بشيء؟" قلنا: نعم، فلم نلبث أن وضع الراعي غنمه فإذا سخلة تيعر، فقال: "هيه يا فلان ما ولدت؟" قال: بهمة.

قال: "فاذبح لنا مكانها شاة" ثم انحرف إلي فقال: "لا تحسبن، ولم يقل: لا تحسبن - أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد فإذا أولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة".

قلت: يا رسول الله، إن لي امرأة في لسانها شيء - يعني: البذاء - قال: "طلقها" [ ص: 161 ]

قلت: إن لي منها ولدا ولها صحبة.

قال: "فمرها يقول: عظها فإن يك فيها خير فستقبل، ولا تضربن ظعينتك ضربك أميتك".

قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء.

قال: " "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما".
.


الشرح

يحيى بن سليم: هو الطائفي القرشي الحذاء، أبو محمد، وقيل: أبو زكريا.

سمع: إسماعيل بن كثير، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، والثوري.

وروى عنه: بشر بن مرحوم وابن أبي عمر. مات سنة خمس وتسعين ومائة.

وإسماعيل بن كثير أبو هاشم مكي.

روى عن: مجاهد. وسمع منه: الثوري، وابن جريج.

وعاصم: هو ابن لقيط بن صبرة العقيلي من أهل الحجاز.

سمع: أباه [ ص: 162 ]

يروي عنه: إسماعيل بن كثير، وهو عاصم بن أبي رزين هكذا ذكر البخاري، وذكر أن لقيطا: بن عامر، ويقال: لقيط بن صبرة بن المنتفق أبو رزين العقيلي، ولم يذكر في الصحابة من يسمى لقيطا غيره، وذلك يشعر إشعارا بينا بأن لقيطا أبا رزين هو والد عاصم، وأنه لقيط بن صبرة أو لقيط بن عامر.

وقال أبو عبد الله بن منده: لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين العقيلي له صحبة، ويقال: ابن صبرة.

روى عنه: عبد الله بن عمرو، وابنه، وعمرو بن أوس، ووكيع بن عدس ابن أخي أبي رزين، وذكر من روايته الحديث الذي نحن فيه، وهذا كالصريح في أنهما رجلان [ ص: 163 ]

وروى الحديث عن يحيى بن سليم كما رواه الشافعي: قتيبة وآخرون ومن روايتهم أخرجه أبو داود في السنن، ورواه سفيان عن أبي هاشم كما رواه يحيى بن سليم.

وقوله: كنت وفد بني المنتفق أو في وفدهم. الوفد: جمع وافد، كزائر وزور، وهم القوم يأتون الملوك ركبانا، وقد وفدوا وفدا ووفادة، ثم سمي القوم بالفعل، وفي بعض الروايات: كنت وافد بني المنتفق.

والقناع مفسر في الخبر، قال الخطابي: سمي الطبق قناعا؛ لأنه أقنعت أطرافه إلى داخل، أي: عطفت.

والخزيرة: طعام يتخذ من دقيق ولحم يقطع اللحم قطعا صغارا فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وقيل: هي مرقة تصفى من بلالة النخالة ثم تطبخ، وقيل: هي حساء من دقيق فيه دسم، والحريرة: ما يتخذ من لبن.

فقوله: فلم نلبث أن وضع الراعي غنمه وفي رواية أبي داود وغيره: أن دفع الراعي غنمه إلى المراح كأنه كان قد سرحها إلى منحدر من مرتفع وغيره فلما ردها إلى المراح صعد بها.

وقوله: تيعر يقال: يعرت الشاة تيعر يعارا وهو صوت الشاة، وقيل: صوت المعز، فعلى هذا فاللفظة مستعارة لأن السخلة الصغيرة من ولد الضأن حين تولد، واللفظة تقع على الذكر والأنثى ولا تجمع سخل [ ص: 164 ]

وقوله: هيه كلمة استزادة واستنطاق وهي مبدلة من إيه أو مقامة مقامها، وإيه تنون ولا تنون، وقيل: إيه استزادة من حديث لا تعرفه، وإيه بلا تنوين استزادة من حديث تعرفه.

وعن ابن السكيت: إنك تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه فإن وصلت نونت فقلت: إيه حدثنا.

وقوله: ما ولدت مشدد مخاطبة للراعي، يقال: ولدت الشاة: إذا حضرت ولادها وعالجتها، والمولد للمواشي كالقابلة للنساء، وذكر أن بعضهم غلط فروى ولدت يعني: الشاة، والبهمة: ولد الشاة أول ما يولد.

وقوله: فقال: لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن، يقال من الحساب حسب يحسب بضم السين، ومن الحسبان وهو الظن: حسب يحسب، والكسر ينسب إلى لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقراءته كما ضبطه راوي الحديث.

والبذاء: الإفحاش في القول، يقال: بذؤت المرأة تبذؤ بذاء.

وقوله: لا تضربن ظعينتك؛ أي: امرأتك، والظعينة في الأصل: الهودج تكون فيه المرأة، ثم سميت المرأة بها إذا كانت راكبة، ثم عم الاستعمال فقيل لكل امرأة: ظعينة، ويقال: سميت ظعينة؛ لأنه يظعن بها.

وأمية: تصغير أمة.

ثم في الحديث فوائد، منها:

أن من غاب عن منزله فورده واردون أو جاء أضياف، يحسن لمن خلفه من أهله أن يقوم بأمرهم ويقدم إليهم ما تيسر، ويحسن من صاحب المنزل أن يأمر من خلفه من أهله بذلك، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: هل أكلتم شيئا، هل أمر لكم بشيء ما هو كالإشارة إليه [ ص: 165 ]

ومنها: أنه لم يرد الإكثار من المال والزيادة فيه.

ومنها: التحرز عن التصنع والتكلف وإراءة الشيء على خلاف ما هو عليه، حيث قال: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها ولكن عادتنا أن نذبح واحدة إذا ولدت واحدة.

ومنها: أنه لا بأس بالطلاق لبذاءة المرأة.

ومنها: أنه إذا كان منها ولد ولها صحبة فينبغي للزوج أن يمسكها ويحتمل بذاءتها.

ومنها: أن الزوج يستحب له أن يعظ المرأة وينصحها ويقيها النار، كما قال تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم نارا .

وقوله: فمرها أي: بالخير والمعروف، وكذلك فسر الراوي: يعظها.

ومنها: النهي عن ضرب المرأة، وقد ذكر الشافعي في الجمع بينه وبين ما ورد تجويز الضرب كقوله تعالى: واهجروهن في المضاجع واضربوهن . احتمالين:

أحدهما: نسخه بالآية.

والثاني: حمل النهي على الكراهية، أو على أن الأولى تركه ما أمكن والاقتصار على الوعظ، ويجوز أن يقال: إنه ليس نهيا عن مطلق الضرب بل عن ضرب كضرب الأمة، والحرة لا تضرب كضرب الأمة بل ضربها أخف لشرفها، ولأن الحاجة إلى تأديب الأمة أكثر لخستها.

ومنها: الأمر بإسباغ الوضوء وهو بإتمام الأعمال، والمحافظة على الأدب، والأمر بتخليل الأصابع [ ص: 166 ]

قال الشافعي: ولا يجزئه ترك التخليل إلا أن يعلم أن الماء قد أتى جميع ما بين الأصابع.

ومنها: الأمر بالمبالغة في الاستنشاق واستثناء حالة الصوم، والاقتصار على ذكر هذه الخصال مع أن السائل سأل عن الوضوء يجوز أن يكون من جهة الراوي، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفية الوضوء بتمامها وسبب اقتصاره عليها حاجته إلى بيانها عند الرواية، ويجوز أن يكون من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف أن مقصد السائل البحث عنها وإن أطلق لفظه في السؤال إما بقرينة حال أو بوحي وإلهام، والله أعلم.

آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه:

أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس حديث: نبع الماء من تحت أصابعه.

الحمد لله حق حمده

التالي السابق


الخدمات العلمية