صفحة جزء
945 [ 584 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار; أن ابن عمر ومروان وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي- [ ص: 308 ] وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم- أن يتداوى بما لا بد منه ويفتدي، فإذا صح اعتمر، فحل من إحرامه فكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدي .


الشرح

ابن حزابة رجل من التابعين، وهو معبد بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي .

وحديث ابن عمر صحيح: أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم عن يحيى بن يحيى عنه.

والمراد من زمن الفتنة زمان مجيء أهل الشام ونزولهم على ابن الزبير محاصرين.

وتفسير الشافعي لقوله: "صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم –" صحيح مفهوم من سائر الروايات، وقد روى البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد بن أسماء قال: ثنا جويرية، عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام أما تخاف أن يحال بينك وبين البيت، فقال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي - صلى الله عليه وسلم - هديه وحلق رأسه، [ ص: 309 ] وأشهدكم أني قد أوجبت عمرة فأنطلق فإن خلي بيني وبين البيت طفت، وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، فأهل بالعمرة من ذي الحليفة ثم سار ساعة ثم قال: إنما شأنهما واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي، فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر.

وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتمرين فحال كفار قريش دون البيت; فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه وحلق رأسه .

وقصد الشافعي بإيراد الحديث ها هنا الاحتجاج لجواز التحلل بالإحصار، وقد قال تعالى في إحصار المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي وفي الصحيح عن ابن عباس; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحصر فحلق وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر من قابل . وعن جابر بن عبد الله قال: نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة .

قال الشافعي: والحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم وكان نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حد الحل منها، ولا قضاء على المحصر إذا تحلل بل حاله على ما كان عليه قبل الإحرام.

وقال أبو حنيفة: يلزمه القضاء .

واحتج الشافعي بأنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية رجال معرفون بأسمائهم، ثم اعتمر رسول الله عمرة القضية وتخلف بعضهم، ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينه لهم، قال: [ ص: 310 ] وتسميتها عمرة القضاء وعمرة القضية لقيامها مقام العمرة التي قصدها لا لوجوب القضاء .

وقد روي عن ابن عمر أنه قال: لم تكن تلك العمرة قضاء ولكن كان شرطا على المسلمين أن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه.

وعلى المحصر إذا تحلل دم شاة يريقه حيث أحصر، وفي قول ابن عمر: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبين أن الإحصار من المسلمين في الحكم كالإحصار من المشركين، وفيما روي عن ابن عمر رضي الله عنه من حبس دون البيت بمرض دلالة على أنه لا يجوز التحلل بالمرض وسائر الأعذار سوى حصر العدو، بل يقيم المريض على إحرامه، فإن زال العذر بعد فوات الحج تحلل بعمل عمرة، وبهذا قال ابن الزبير وابن عباس حيث قالا: لا حصر إلا حصر العدو .

وهو قول أكثر أهل العلم، وذهب آخرون إلى جواز التحلل بالمرض ونحوه; لما روي عن الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كسر أو جرح فقد حل والأولون ضعفوا الحديث وحملوه بتقدير الصحة على ما إذا شرط التحلل، وقالوا: لو [ ص: 311 ] جاز التحلل بغير شرط لما احتاجت ضباعة إلى الاشتراط، ولما أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.

وقوله في الأثر الذي بعده "المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت" قال الشافعي في الأم: هو المحصر بالمرض، والله أعلم .

وقصة ابن حزابة تؤكد منع التحلل بالمرض ولها نظائر.

التالي السابق


الخدمات العلمية