صفحة جزء
428 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى هذا الأثر، وأوجبوا الوضوء من مس الفرج.


ش: أراد بهؤلاء القوم: الأوزاعي ، والزهري ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبان بن عثمان ، وعروة ، وسليمان بن يسار ، وابن سيرين ، وسعيد بن المسيب ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

وفي "المغني" لابن قدامة: وقد روي أيضا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة، وهو المشهور عن مالك .

وفي "الجواهر" للمالكية: النوع الثالث مس الذكر، وينقض الوضوء به في الرواية الأخيرة، ولكن اختلف فيه على صفة مخصوصة، فرأى العراقيون أنها اللذة، واعتبر أشهب مسه بباطن الكف، واعتبر في "اللباب" باطن الكف أو باطن الأصابع، قال

[ ص: 76 ] الشيخ أبو طاهر: والكل على مراعاة وجود اللذة وفقدها، ولو مسه من فوق ثوب أو من تحته انتقضت طهارته، ولا حكم لمس الذكر المبان ولا لمس ذكر الغير إلا من باب الملامسة، ولا ينقض وضوء من مس ذكر غيره، وفي مس المرأة فرجها ثلاث روايات: النقض، ونفيه، والتفرقة بين أن تلطف فيجب الوضوء وبين ألا تلطف فلا يجب.

وفي "المغني" : الفرج اسم لمخرج الحدث، فيتناول الذكر، والدبر وقبل المرأة، وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وآكدها مس الذكر، وعن أحمد فيه روايتان: [إحداهما] ينقض الوضوء وهي المشهورة من مذهبه، والرواية الثانية: لا وضوء فيه بحال.

فعلى رواية النقض: لا فرق بين العامد وغيره، وبه قال الأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو أيوب ، وأبو خيثمة .

وعن أحمد رواية أخرى: لا ينقض إلا بمسه قاصدا مسه، قال أحمد بن الحسين: قيل لأحمد: الوضوء من مس الذكر؟ قال: أحب إلي أن أتوضأ. قلت: يا أبا عبد الله ربما مرت يده في إحليله فكيف يجب الوضوء من مس الذكر؟!

فقال: هكذا -وقبض على يده يعني إذا قبض عليه- وهذا قول مكحول ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وحميد الطويل .

قالوا: إن مسه ولا يريد وضوءا فلا شيء عليه، ولا فرق بين رأس الذكر وأصله.

وفيه رواية أخرى: لا ينقض إلا مس موضع الثقب، والأول هو الصحيح عملا بظاهر اللفظ.

ولا فرق بين بطن الكف وظهره، وهو قول عطاء ، والأوزاعي .

وقال مالك والليث والشافعي وإسحاق: لا ينقض مسه إلا بباطن الكف.

[ ص: 77 ] ولا ينقض مسه بذراعه، وعن أحمد أنه ينقض؛ لأنه من يده، وهو قول عطاء والأوزاعي، والصحيح الأول.

ولا فرق بين ذكره وذكر غيره، وقال داود: لا ينقض مس ذكر غيره؛ لأنه لا نص فيه.

ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير [1\ق118-أ] وبه قال عطاء ، والشافعي ، وأبو ثور ، وعن الزهري والأوزاعي ومالك: لا وضوء على [من] مس ذكر الصغير؛ لأنه يجوز مسه والنظر إليه. وقد روي عن النبي - عليه السلام - مس زبيبة الحسن - رضي الله عنه - ولم يتوضأ.

وفرج الميت كفرج الحي. وهو قول الشافعي، وقال إسحاق: لا وضوء عليه.

وفي الذكر المقطوع وجهان، ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها نقض وضوءه، وإن مسها بعد القطع فلا وضوء.

فأما مس حلقة الدبر ففيه روايتان:

إحداهما: ينقض، نقلها أبو داود، وهو مذهب عطاء والزهري والشافعي وإسحاق .

والثانية: لا ينقض، وهو مذهب مالك .

فأما مس المرأة فرجها ففيه أيضا روايتان.

وأما لمس فرج الخنثى المشكل فينقض إذا تيقنا أنه مس فرجا، أو كان لمسا بين رجل وامرأة لشهوة، ومتى جوزنا عدم ذلك لم ينقض وضوء، فعلى هذا إذا مس أحد فرجي نفسه لم ينتقض وضوؤه، لاحتمال أن يكون خلقة زائدة، وإن جمع بينهما انتقض وضوؤه لأنه لا بد أن يكون أحدهما فرجا؛ إلا على الرواية التي لا تنقض وضوء المرأة مسها لفرجها.

[ ص: 78 ] وإن مس رجل ذكره لغير شهوة لم ينتقض وضوؤه، وإن مسه لشهوة انتقض؛ لأنه إن كان رجلا فقد مس وإن كان امرأة فقد مس امرأة لشهوة، وإن مسه لغير شهوة لم ينتقض لاحتمال أن يكون الذي مسه خلقة زائدة، وإن مس فرجه لم ينتقض بحال لشهوة كان أو لا، وإن جمع بين الفرجين انتقض.

وإن كان اللامس امرأة، فلمست الفرج لشهوة أو جمعت بينهما في اللمس انتقض وضوؤها. وإلا فلا، وإن كان اللامس خنثى مشكلا لم ينتقض وضوؤه بحال إلا أن يجمع بين الفرجين في اللمس، ولو مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ومس الآخر فرجه وكان اللمس منهما لشهوة فلا وضوء على واحد منهما.

وقال أيضا : ولا وضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن كالرفغ والأنثيين والإبط في قول عامة أهل العلم؛ إلا أن عروة قال: من مس أنثييه فليتوضأ.

وقال الزهري: أحب إلي أن يتوضأ.

وقال عكرمة: من مس [ما] بين الفرجين فليتوضأ.

ولا ينتقض الوضوء بمس فرج البهيمة.

وقال الليث بن سعد: عليه الوضوء.

وقال عطاء: من مس قنب حمار عليه الوضوء، ومن مس ثيل جمل لا وضوء عليه، انتهى.

قلت: "الرفغ" بضم الراء، وسكون الفاء، وفي آخره غين معجمة: واحد الأرفاغ، وهي المغابن من الآباط وأصول الفخذين.

و"القنب" -بضم القاف، وسكون النون، وفي آخره باء موحدة- وهي وعاء قضيب الفرس وغيره من ذوات الحوافر.

[ ص: 79 ] والثيل -بكسر الثاء المثلثة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره لام- وهي وعاء قضيب البعير.

وقال ابن حزم في "المحلى": وأما قول الأوزاعي والشافعي ومالك في مراعاة باطن الكف دون ظاهرها فقول لا دليل عليه لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من إجماع، ولا من قول صاحب، ولا قياس، ولا من رأي صحيح، وشغب بعضهم بأن قال: في بعض الآثار "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" قال علي: وهذا لا يصح أصلا، ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون؛ لأن الإفضاء باليد يكون بظهر اليد كما يكون بباطنها، وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد لما كان في ذلك. ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، كيف والإفضاء يكون بجميع الجسد، وقال تعالى: [1\ق 118-ب] وقد أفضى بعضكم إلى بعض

وأما [قول مالك في إيجاب الوضوء منه ثم لم ير الإعادة إلا في الوقت؛ فقول متناقض؛ لأنه لا يخلو أن يكون انتقض وضوؤه أو لم ينتقض، فإن كان انتقض فعلى أصله يلزمه أن يعيد أبدا، وإن كان لم ينتقض فلا يجوز له أن يصلي صلاة فرض واحدة في يوم مرتين وكذلك] فرق مالك بين مس الرجل فرجه وبين مس المرأة فرجها؛ فهو قول لا دليل عليه، فهو ساقط.

وأما إيجاب الشافعي الوضوء من مس الدبر فخطأ؛ لأن الدبر لا يسمى فرجا، فإن قال: قسته على الذكر.

قيل له: القياس عند القائلين به لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين، ولا علة جامعة بين مس الذكر ومس الدبر.

فإن قال: كلاهما مخرج للنجاسة.

[ ص: 80 ] قيل: ليس كون الذكر مخرجا للنجاسة هو علة انتقاض الوضوء من مسه، ومن قوله: إن مس النجاسات لا ينقض الوضوء فكيف مس مخرجها.

التالي السابق


الخدمات العلمية