صفحة جزء
547 ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: نا شعيب بن الليث ، قال: نا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن عمير مولى ابن عباس ، أنه سمعه يقول: "أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي - عليه السلام - حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، . فقال أبو الجهيم: : أقبل رسول الله - عليه السلام - من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله - عليه السلام - عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه وبيديه، ثم رد عليه السلام". .


ش: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح ما خلا ربيعا ، وعمير هو مولى عبيد الله بن عباس بتصغير العبد، وكذا صرح به في رواية الدارقطني على ما يجيء، ويقال له: مولى أم الفضل.

وأخرجه البخاري : عن يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن جعفر بن ربيعة ... إلى آخره نحوه سواء.

[ ص: 197 ] وأخرجه مسلم مقطوعا وقال: وروى الليث بن سعد ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن عمير مولى ابن عباس، أنه سمعه يقول: "أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوجة النبي - عليه السلام - ... " إلى آخره نحوه.

قلت: ذكروا أن فيه ثلاثة أنظار:

الأول: قوله: "عبد الرحمن بن يسار" وهم، والصواب: "عبد الله بن يسار" كما في رواية البخاري والطحاوي .

الثاني: قوله: "أبو الجهم" مكبرا، غير جيد، إنما هو مصغر.

الثالث: ذكره مسلم منقطعا وهو موصول على شرطه.

كما أخرجه البخاري موصولا كما ذكرناه.

وكذا أخرجه أبو داود : عن عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي، عن جدي، عن جعفر ... إلى آخره.

وأخرجه النسائي : عن الربيع بن سليمان مثل الطحاوي .

ولكن قال القاضي عياض في شرح مسلم: روايتنا فيه عبد الله بن يسار، وكذا قاله النسائي وأبو داود وغيرهما من الحفاظ، وقالوا أيضا: إن أبا الجهم بن الحارث يقال له: أبو جهيم أيضا، وفيه وجهان، ولذلك ذكره مسلم مكبرا هاهنا، وذكره في حديث المرور بين يدي المصلي مصغرا ، وسماه أبو نعيم وابن منده: عبد الله بن جهيم وجعلاهما واحدا، ورجح ابن الأثير كونهما اثنين، وقاله أيضا أبو علي الجياني وغيره، وهو ابن أخت أبي بن كعب - رضي الله عنه -.

[ ص: 198 ] قوله: " بئر جمل " بجيم مفتوحة، وعند النسائي بئر الجمل، وهو موضع بغرب المدينة فيه مال من أموالها، ذكره أبو عبيد .

ويستفاد منه ما ذكرنا من الأحكام في الحديث الماضي، ويستفاد أيضا:

جواز التيمم بالجدار سواء كان عليه غبار أو لم يكن؛ لإطلاق الحديث، وهو حجة لأبي حنيفة على مخالفيه.

وفيه دليل أيضا على جواز التيمم للنوافل، والفضائل كسجدة التلاوة، والشكر، ومس المصحف، ونحوها كما يجوز للفرض، وهذا بالإجماع إلا وجه شاذ منكر للشافعية أنه لا يجوز إلا للفرض، وقد رأى الأوزاعي أن الجنب إذا خاف إن اشتغل بالغسل طلعت الشمس يتيمم ويصلي قبل فوت الوقت.

قال الخطابي: وبه قال مالك في بعض الروايات، وعند أصحابنا إذا [خاف] فوت الصلاة على الجنازة والعيدين يتمم.

وحكى البغوي في "التهذيب": إذا خاف فوت الفريضة لضيق الوقت صلاها بالتيمم، ثم توضأ وقضاها.

وقال النووي في "شرح مسلم": هذا الحديث محمول على أنه كان - عليه السلام - عادما للماء حال التيمم، فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله، ولا فرق بين أن يضيق الوقت، وبين أن يتسع، ولا فرق بين صلاة الجنازة والعيدين وغيرهما.

قلت: الحديث مطلق يستفاد منه: جواز التيمم لرد السلام ونحوه، وفي معناه صلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما سواء وجد الماء أو لا، ولا ضرورة إلى حمله على أنه كان عادما للماء؛ لأنه تخصيص بلا مخصص.

فإن قيل: كيف يتيمم - عليه السلام - بالجدار بغير إذن مالكه؟

[ ص: 199 ] قلت: هو محمول على أنه كان مباحا أو مملوكا لإنسان يعرفه فتأول - عليه السلام -، وتيمم به لعلمه بأنه لا يكره ذلك بل كان يفرح به، ومثل: هذا يجوز لآحاد الناس، فالنبي - عليه السلام - أولى وأجدر.

التالي السابق


الخدمات العلمية