صفحة جزء
621 ص: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي، قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف، قال: أنا الهيثم بن حميد، قال: أخبرني النعمان ، والأوزاعي ، وأبو معيد حفص بن غيلان ، عن الزهري، قال: أخبرني عروة ، عن عمرة، عن عائشة قالت: " استحيضت أم حبيبة ابنة جحش، ، فاستفتت النبي -عليه السلام- فقال لها رسول الله -عليه السلام-: إن هذه ليست بحيضة، ولكنه عرق فتقه إبليس، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي، وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة. قالت عائشة -رضي الله عنها-: فكانت أم حبيبة تغتسل لكل صلاة، وكانت تغتسل أحيانا في مركن ، في حجرة أختها زينب ، وهي عند النبي -عليه السلام- حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء، فتصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما يمنعها ذلك من الصلاة". .


ش: هذا الحديث بطرقه واختلاف متنه بيان لقوله: "وبفعل أم حبيبة بنت جحش ذلك"، أي الاغتسال لكل صلاة "على عهد النبي -عليه السلام- " أي في زمنه وأيامه.

[ ص: 313 ] والربيع بن سليمان بن داود الأعرج المصري، نسبته إلى جيزة مصر ، بكسر الجيم وفتح الزاي المعجمة.

وعبد الله بن يوسف التنيسي أحد مشايخ البخاري .

والهيثم بن حميد - بضم الحاء - الغساني، أبو أحمد الدمشقي، وثقه ابن حبان وغيره، وروى له الأربعة.

والنعمان بن المنذر الغساني أبو الوزير الدمشقي، ثقة لكنه يرمى بالقدر، روى له أبو داود والنسائي .

والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو .

وأبو معيد - بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف - اسمه حفص بن غيلان الهمداني الدمشقي، وثقه ابن حبان وتكلم فيه غيره، وروى له النسائي وابن ماجه .

والزهري محمد بن مسلم .

وأخرجه النسائي: عن الربيع بن سليمان مثل الطحاوي ... إلى آخره، ولكن في رواية النسائي: أخبرني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، بواو العطف بين عروة وعمرة، وفي رواية الطحاوي: أخبرني عروة عن عمرة بحرف "عن" بينهما، قال القاضي عياض: قال الأوزاعي: عن عروة ، عن عمرة بغير واو، وقد رواه يحيى بن سعيد عن عروة وعمرة، وكذا قال ابن أبي ذئب .

قلت: وتأتي الآن رواية الطحاوي أيضا من طريق ابن أبي ذئب عن عروة وعمرة، بواو العطف كما في رواية النسائي .

قوله: "ليست بحيضة" بكسر الحاء كذا قال بعض الأساتذة الكبار، وقالوا: كل موضع فيه "أقبلت الحيضة" بفتح الحاء، وكل موضع فيه "ليست بالحيضة" بكسر الحاء.

[ ص: 314 ] قلت: قد وقع في كثير من النسخ المعتمدة كلاهما بالفتح.

قوله: "فتقه إبليس" من فتقت الشيء فتقا: شققته، وفتقته تفتيقا مثله، فتفتق وانفتق.

ثم إن إسناد الفتق إلى إبليس يجوز أن يكون على وجه الحقيقة على معنى أن يشق موضع الدم من الرحم لتبتلى بكثرة الدم، ليلتبس عليها أمر دينها، ويجوز أن يكون على وجه المجاز على معنى أن الشيطان بذلك يجد طريقا إلى التلبيس عليها في أمر في دينها وطهرها وصلاتها، فيصير كأنه هو الذي أسال هذا الدم.

قوله: "فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي" المراد من الإدبار: انقطاع الحيض، وقد وقع في رواية أبي داود: "وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" ولكنه مشكل في ظاهره؛ لأنه لم يذكر الغسل، ولابد بعد انقضاء الحيض من الغسل.

والجواب عنه: أنه وإن لم يذكره في هذه الرواية فقد ذكر في رواية غيره.

وحمل بعضهم هذا الإشكال على أن جعل الإدبار وانقضاء أيام الحيض والاغتسال، وجعل قوله: "واغسلي عنك الدم" محمولا على دم يأتي بعد الغسل، والجواب الأول أصح.

فإن قيل: ما علامة إدبار الحيض وانقطاعه والدخول في الطهر؟

قلت: أما عند أبي حنيفة وأصحابه: الزمان والعادة هو الفيصل بينهما، فإذا أضلت عادتها تحرت، وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل.

وأما عند الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفيصل، فالأسود أقوى من الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر، والأصفر أقوى من الأكدر إذا جعلناهما حيضا؛ فتكون حائضا في أيام القوي، مستحاضة في أيام الضعيف، والتمييز عنده بثلاثة شروط:

أحدها: أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوما.

والثاني: أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا.

[ ص: 315 ] والثالث: أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما ليمكن جعله طهرا بين الحيضتين. وبه قال مالك وأحمد .

وقال النووي: علامة انقطاع الحيض والحصول في الطهر: أن ينقطع خروج الدم والصفرة والكدرة، وسواء خرجت رطوبة بيضاء، أم لم يخرج شيء أصلا.

قال البيهقي وابن الصباغ: الترية رطوبة خفية لا صفرة فيها ولا كدرة، تكون على القطنة أثر لا لون، وهذا يكون بعد انقطاع الحيض، والترية بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف مشددة.

ثم اعلم أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال لأول صلاة تدركها، ولا يجوز لها أن تترك صلاة أو صوما، ويكون حكمها حكم الطاهرات ولا تستظهر بشيء أصلا، وبه قال الشافعي .

وعن مالك ثلاث روايات:

الأولى: تستظهر ثلاثة أيام، وما بعد ذلك استحاضة.

والثانية: تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوما، وهي أكثر مدة الحيض عنده.

والثالثة: كمذهبنا.

ومن فوائد هذا الحديث:

جواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة وأحداث النساء.

وجواز استماع صوتها عند الحاجة.

ومنها: نهي المستحاضة عن الصلاة في زمن الحيض، وهو نهي تحريم ويقتضي فساد الصلاة هنا بإجماع المسلمين، ويستوي فيها الفرض والنفل، ويتبعها الطواف وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسجدة الشكر.

ومنها: أنها بعد غسلها تصلي ما شاءت من الفرائض والنوافل، وفي وجه للشافعية أنها لا تصلي النافلة أصلا.

[ ص: 316 ] وقال النووي: والمذهب أنها لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية، وحكي ذلك عن عروة والثوري وأحمد وأبي ثور .

وقال أبو حنيفة: طهارتها مقدرة بالوقت فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت.

وقال مالك وربيعة وداود: الاستحاضة لا تنقض الوضوء، فإذا تطهرت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض والنوافل إلا أن تحدث بغير الاستحاضة.

ولا يصح وضوؤها الفريضة قبل دخول وقتها عند الشافعي، ويصح عند أبي حنيفة .

ووطء المستحاضة جائز في حال جريان الدم عند جمهور العلماء، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس ، وابن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وحماد بن أبي سليمان ، وبكر المزني ، والأوزاعي ، والثوري ، ومالك ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي .

وعن عائشة: أنه لا يأتيها زوجها، وبه قال النخعي ، والحكم ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، والشعبي ، وابن علية، وكرهه ابن سيرين .

وقال أحمد: لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها.

وفي رواية: لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت.

وعن منصور: تصوم ولا يأتيها زوجها ولا تمس المصحف.

ومنها: أن فيه دليلا على نجاسة الدم، وأن الصلاة تجب بمجرد الانقطاع.

التالي السابق


الخدمات العلمية