صفحة جزء
625 626 ص: وقد قال ذلك علي 5 وابن عباس -رضي الله عنهم- من بعد رسول الله -عليه السلام- وأفتيا بذلك:

حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: نا الخصيب بن ناصح ، قال: أنا همام ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن سعيد بن جبير: " : أن امرأة أتت ابن عباس بكتاب بعد ما ذهب بصره، فدفعه إلى ابنه فترتر فيه، فدفعه إلي فقرأته، فقال لابنه: ألا هذرمته كما هذرمه الغلام المصري. فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من امرأة من المسلمين، أنها استحيضت ، فاستفتت عليا -رضي الله عنه- فأمرها أن تغتسل وتصلي، فقال: اللهم لا أعلم القول إلا قول علي - ثلاث مرات". قال قتادة: وأخبرني عزرة ، عن سعيد: " أنه قيل له: إن الكوفة أرض باردة، وإنه يشق علينا الغسل لكل صلاة. فقال: لو شاء الله لابتلاها بما هو أشد منه".


ش: أي وقد قال بوجوب الاغتسال عليها عند كل صلاة: علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس من بعد رسول الله -عليه السلام- وأفتيا بذلك، ولو لم يعلما بذلك في زمن النبي -عليه السلام- لما كانا أفتيا بعده، ثم بين الطحاوي فتواهما بقوله: حدثنا سليمان بن شعيب.. إلى آخره.

[ ص: 322 ] ورجاله ثقات تكرر ذكرهم. وأبو حسان: الأعرج، وقيل: الأجرد، اسمه مسلم بن عبد الله البصري، روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدا.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه": عن معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير: "أن امرأة من أهل الكوفة كتبت إلى ابن عباس بكتاب، فدفعه إلى ابنه ليقرأه فتتعتع فيه، فدفعه إلي فقرأته، فقال ابن عباس لابنه: أما لو هذرمتها كما هذرمها الغلام المصري. فإذا في الكتاب: إني امرأة مستحاضة أصابني بلاء وضر، وإني أدع الصلاة الزمان الطويل، وإن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سئل عن ذلك فأفتاني أن أغتسل عند كل صلاة، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: اللهم لا أجد لها إلا ما قال علي، غير أنها تجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد، والمغرب والعشاء بغسل واحد، وتغتسل للفجر. قال: فقيل له: إن الكوفة أرض باردة، وإنه يشق عليها. قال: لو شاء الله لابتلاها بأشد من ذلك".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" مختصرا: ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير قال: "كنت عند ابن عباس، فجاءت امرأة بكتاب فقرأته، فإذا فيه: إني امرأة مستحاضة، وإن عليا قال: تغتسل لكل صلاة. فقال ابن عباس: ما أجد ما أجد إلا ما قال علي -رضي الله عنه- ".

قوله: "فترتر" من الترترة وهي التحريك، والمعنى أنه حرك لسانه ولم يفهم شيئا، وكذلك معنى التلتلة، وفي حديث ابن مسعود "ترتروه ومزمزوه"، أي: حركوه ليستنكه، وفي رواية "تلتلوه" ومعنى الكل التحريك، ومعنى "فتعتع" في رواية عبد الرزاق: تردد في قراءته، وتبلد فيها لسانه، ومعناه قريب من الأول.

قوله: "ألا هذرمته" من الهذرمة، وهي السرعة في الكلام والمشي أيضا، والمعنى: هلا أسرعت في قراءتك كما أسرع الغلام المصري، أراد به سعيد بن جبير، وأراد

[ ص: 323 ] بالمصري: الكوفي، لأن كوفة وبصرة يقال لهما المصران، ولأن مصرا في أصل الوضع واحد الأمصار، و: "ألا" كلمة تحضيض تختص بالجمل الفعلية الخبرية، كسائر أدوات التحضيض.

قوله: "فقال: اللهم لا أعلم القول إلا ما قال علي" اعلم أن هذه الكلمة تستعمل على ثلاثة أنحاء:

أحدها: للنداء المحض، وهو ظاهر.

والثاني: للإيذان بندرة المستثنى، كقول الحريري: اللهم إلا أن [تقد نار] الجوع، كأنه يناديه مستيقنا دفعه أو [حصوله].

الثالث: ليدل على تيقن المجيب [في الجواب] المقترن هو به، كقولك لمن قال: أزيد قائم؟ اللهم نعم، أولا، كأنه يناديه مستشهدا على ما قال من الجواب، وها هنا من القبيل الثالث.

قوله: "ثلاث مرات" أي: قال ابن عباس قوله ذلك ثلاث مرات.

قوله: "وأخبرني عزرة" هو عزرة بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، وهو من رجال صحيح مسلم.

قوله: "وإنه يشق" أي: وإن الشأن يثقل علينا الغسل.

التالي السابق


الخدمات العلمية