صفحة جزء
666 ص: حدثنا علي بن شيبة ، قال: نا يزيد بن هارون، قال: أنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عمار بن ياسر، قال: " كنا مع النبي -عليه السلام- في سفر، فهلك عقد لعائشة -رضي الله عنها- فطلبوه حتى أصبحوا، وليس مع القوم ماء، فنزلت الرخصة في التيمم بالصعدات، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم إلى الأرض، فمسحوا بها وجوههم، وظاهر أيديهم إلى المنكب، وباطنها إلى الآباط. .


ش: رجاله ثقات وإسناده منقطع؛ لأن عبيد الله لم يدرك عمارا كما ذكرناه.

وأخرجه أبو داود نحوه وقد ذكرناه، وابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب .

وأخرج البخاري ، ومسلم ، والنسائي: حديث عائشة في انقطاع العقد، وليس فيه كيفية التيمم.

قوله: "في سفر" أراد سفر الحج أو الغزاة، ولكن جاء في بعض ألفاظ الصحيح أنه ضاع عقدها في غزوة المريسيع التي كانت فيها قصة الإفك، قال أبو عبيد البكري في حديث الإفك: فانقطع عقد لها من جزع ظفار ، فحبس الناس ابتغاؤه.

[ ص: 397 ] وقال ابن سعد: خرج رسول الله -عليه السلام- إلى المريسيع يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس.

ورجحه أبو عبد الله في "الإكليل" وقال البخاري: عن أبي إسحاق سنة ست، قال البخاري: قال موسى بن عقبة: سنة أربع.

واختلفوا متى نزلت آية التيمم؟ فزعم ابن التين أنها نزلت في المريسيع سنة ست، وكذا قاله الإمام عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن بزيزة في شرح كتاب "الأحكام الصغرى" لأبي محمد الإشبيلي وزعم ابن الجوزي أن ابن حبيب قال: سقط عقدها في السنة الرابعة في عزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق سنة ست قصة الإفك.

قلت: يعارض هذا ما رواه الطبراني: من أن الإفك قبل التيمم فقال: نا القاسم بن حماد، نا محمد بن حميد الرازي، نا سلمة بن الفضل وإبراهيم بن المختار ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه، عن عائشة قالت: "لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله -عليه السلام- في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي، حتى حبس الناس على التماسه وطلع الفجر، فلقيت من أبي بكر ما شاء الله وقال: يا بنية: في كل سفر تكونين عناء وبلاء؟! ليس مع الناس ماء، فأنزل الله الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: إنك ما [علمت] لمباركة.

قلت: إسناده جيد حسن.

وزعم البكري أن سقوطه كان بمكان يقال له: "الصلصل" بالمهملتين، قيل: وهو الصحيح.

[ ص: 398 ] وأما الجوهري فكذلك ذكره بالمهملتين، وفي "العباب"، الصلصل موضع على طريق المدينة ، وصلصل ماء قرب اليمامة لبني العجلان، وصلصل ماء في جوف هضبة حمراء، ودارة صلصل لبني عمرو بن كلاب، وهي بأعلى دارها، ذكر كل ذلك في المهملة.

قوله: "فهلك عقد" أي: ضاع وسقط، وهو من الهلك بالتحريك، وهو الشيء الذي يهوي ويسقط، ولهذا جاءت في رواية أخرى: قالت عائشة: "سقط قلادة لي بالبيداء" وفي رواية: "انقطع عقد لي"، والعقد بكسر العين وسكون القاف: القلادة، وذكر السفاقسي أن ثمنه كان يسيرا، وقيل: كان ثمنه اثني عشر درهما، وفيه دلالة على حرمة الأموال الحلال، [وألا تضاع].

وذكر ابن مسلمة المالكي في مبسوطه: فيه (جواز) حفظ الأموال وإن أدى إلى عدم الماء في الوقت، وعلى هذا يجوز للإنسان سلوك طريق يتيقن فيه عدم الماء طلبا للمال.

قوله: "وليس مع القوم ماء" جملة خبرية وقعت حالا.

قوله: "فنزلت الرخصة" أراد آية التيمم، وقال أبو بكر بن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء؛ [هما] آيتان فيهما ذكر التيمم: في النساء والمائدة فلا نعلم أيتها عنت عائشة -رضي الله عنها- بقولها: "فأنزلت آية التيمم".

[ ص: 399 ] وقال السفاقسي كلاما طويلا ملخصه: [أن الوضوء] كان لازما لهم، وآية التيمم إما المائدة أو النساء، وهما مدنيتان، ولم تكن صلاة قبل إلا بوضوء، فلما نزلت آية التيمم لم يذكر الوضوء لكونه متقدما متلوا؛ لأن حكم التيمم هو الطارئ على الوضوء وقيل: يحتمل أن يكون نزل أولا أول الآية، وهو فرض الوضوء، ثم نزل عقب هذه الواقعة آية التيمم، وهو تمام الآية وهو: كنتم مرضى أو أو: يحتمل أن يكون كان بالسنة لا بالقرآن، ثم أنزلا معا فعبرت عائشة بالتيمم؛ إذ كان هو المقصود.

وقال القرطبي أرادت به آية النساء؛ لأن آيتها لا ذكر فيها للوضوء. قلت: لو رأى هؤلاء ما ذكره أبو بكر الحميدي في "جمعه" في حديث عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن عائشة... فذكر الحديث، وفيه فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى الآية... إلى قوله تعالى: لعلكم تشكرون لما احتاجوا إلى الترخص والله أعلم.

قوله: "بالصعدات" بضم الصاد والعين جمع: صعد وهو جمع صعيد، كطريق وطرق وطرقات، وقيل: هي جمع صعدة، كظلمة تجمع على ظلمات.

قوله: "إلى الآباط" بمد الهمزة المفتوحة جمع إبط بكسر الهمزة والباء، ويجوز فيه تسكين الباء.

التالي السابق


الخدمات العلمية