[ ص: 368 ] ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - رمل الأشواط كلها ، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون وفي بعضها حيث لا يرونه ، ففي رمله حيث لا يرونه دليل على أنه ليس من أجلهم رمل ، ولكن لمعنى آخر .
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، حيث قال في حديثه : "فرمل بالبيت ثلاثا" .
أخرجه بإسناد صحيح : عن nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة .
قوله : "ففي هذا الحديث . . . إلى آخره" بيانه أن في هذا الحديث : رمل في هذه الأشواط الثلاثة كلها يعني من الحجر إلى الحجر ، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون ، يعني من ناحية جبل قعيقعان لأنهم كانوا عليه ، وفي بعضها حيث لا يرونه ، يعني من ناحية ما بين الركن اليماني والحجر ؛ لأن الكعبة كانت تحجز بينه وبينهم ، ففي رمله في هذا الموضع دليل على أنه - عليه السلام - لم يكن رمل من أجلهم ، بل إنما رمل لمعنى آخر ، إذ لو كان رمله لأجلهم لكان يتركه حين يتوارى عنهم ، فعلم من ذلك أنه سنة لا تترك ، ومن هذا يخرج الجواب عما يقال : إن سبب الرمل ارتفع ، فينبغي أن يرتفع الحكم الدائر عليه ، ولئن سلمنا أن سبب الرمل كان لإظهار الجلادة وإبداء القوة للمشركين ، وأنه ارتفع ، فلا نسلم أن يرتفع الحكم بارتفاع السبب ؛ لأن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم ، كالبيع والنكاح وغيرهما .
[ ص: 369 ] أو نقول : رمل النبي - عليه السلام - في حجة الوداع دليل على أنه سنة مبتدأة ، فيجب علينا اتباعها وإن كنا لا نعقل معناه ، ألا ترى إلى ما قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - حين رمل في الطواف : "ما لي أهز كتفي وليس ها هنا أحد يراني ؛ لكن أتبع رسول الله - عليه السلام - ، أو قال : أمتثل ما فعل رسول الله - عليه السلام - " .