صفحة جزء
3834 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - عليه السلام - اعتمر من الجعرانة ، ، فرمل بالبيت ثلاثا ومشى أربعة أشواط" . .

[ ص: 368 ] ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - رمل الأشواط كلها ، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون وفي بعضها حيث لا يرونه ، ففي رمله حيث لا يرونه دليل على أنه ليس من أجلهم رمل ، ولكن لمعنى آخر .


ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن ابن عباس ، حيث قال في حديثه : "فرمل بالبيت ثلاثا" .

أخرجه بإسناد صحيح : عن ابن خزيمة ، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة .

وأخرجه أبو داود : نا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا حماد ، قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ، فرملوا بالبيت ثلاثا ، ومشوا أربعا" .

وأخرجه ابن ماجه بنحوه .

قوله : "ففي هذا الحديث . . . إلى آخره" بيانه أن في هذا الحديث : رمل في هذه الأشواط الثلاثة كلها يعني من الحجر إلى الحجر ، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون ، يعني من ناحية جبل قعيقعان لأنهم كانوا عليه ، وفي بعضها حيث لا يرونه ، يعني من ناحية ما بين الركن اليماني والحجر ؛ لأن الكعبة كانت تحجز بينه وبينهم ، ففي رمله في هذا الموضع دليل على أنه - عليه السلام - لم يكن رمل من أجلهم ، بل إنما رمل لمعنى آخر ، إذ لو كان رمله لأجلهم لكان يتركه حين يتوارى عنهم ، فعلم من ذلك أنه سنة لا تترك ، ومن هذا يخرج الجواب عما يقال : إن سبب الرمل ارتفع ، فينبغي أن يرتفع الحكم الدائر عليه ، ولئن سلمنا أن سبب الرمل كان لإظهار الجلادة وإبداء القوة للمشركين ، وأنه ارتفع ، فلا نسلم أن يرتفع الحكم بارتفاع السبب ؛ لأن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم ، كالبيع والنكاح وغيرهما .

[ ص: 369 ] أو نقول : رمل النبي - عليه السلام - في حجة الوداع دليل على أنه سنة مبتدأة ، فيجب علينا اتباعها وإن كنا لا نعقل معناه ، ألا ترى إلى ما قال عمر - رضي الله عنه - حين رمل في الطواف : "ما لي أهز كتفي وليس ها هنا أحد يراني ؛ لكن أتبع رسول الله - عليه السلام - ، أو قال : أمتثل ما فعل رسول الله - عليه السلام - " .

التالي السابق


الخدمات العلمية