صفحة جزء
762 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ينبغي له (أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام.


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون في هذا الحكم، وأراد بهم: الأوزاعي ، والليث ، وأبا حنيفة ، ومحمدا ، والشافعي ، ومالكا ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المبارك، وآخرين.

[ ص: 535 ] ولكنهم اختلفوا في صفة هذا الوضوء وحكمه، فقال أحمد: يستحب للجنب إذا أراد أن ينام أو يطأ ثانيا أو يأكل أن يغسل فرجه ويتوضأ، روي ذلك عن علي ، وعبد الله بن عمر .

وقال سعيد بن المسيب: إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه، ويتمضمض، وحكي نحوه عن أحمد ، وإسحاق ، وابن الحنفية، وقال مجاهد: يغسل كفيه، وقال مالك: يغسل يديه إن كان أصابهما أذى.

وقال أبو عمر في "التمهيد": وقد اختلف العلماء في إيجاب الوضوء عن النوم على الجنب فذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على الندب والاستحسان لا على الوجوب، وذهبت طائفة إلى أن الوضوء المأمور به الجنب هو غسل الأذى منه، وغسل ذكره، ويديه، وهو التنظيف، وذلك عند العرب يسمى وضوءا، قالوا: وقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يتوضأ عند النوم الوضوء الكامل للصلاة، وهو روى الحديث، وعلم مخرجه.

وقال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة، قال: وله أن يعاود أهله، ويأكل قبل أن يتوضأ، إلا أن يكون في يديه قذر فيغسلهما، قال: والحائض تنام قبل أن تتوضأ، وقال الشافعي في هذا كله: نحو قول مالك. وقال أبو حنيفة ، والثوري: لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء، وأحب إلينا أن يتوضأ، قالوا: فإذا أراد أن يأكل مضمض، وغسل يديه، وهو قول الحسن بن حي، وقال الأوزاعي: الحائض والجنب إذا أرادا أن يطعما غسلا أيديهما، وقال الليث بن سعد: لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلا كان أو امرأة. انتهى.

وقال القاضي عياض: ظاهر مذهب مالك أنه ليس بواجب، وإنما هو مرغب فيه، وابن حبيب يرى وجوبه، وهو مذهب داود .

وقال ابن حزم في "المحلى": ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم، ولرد السلام، ولذكر الله تعالى وليس ذلك بواجب.

[ ص: 536 ] قلت: قد خالف ابن حزم داود في هذا الحكم.

وفي "البدائع": ولا بأس للجنب أن ينام، ويعاود أهله قبل أن يتوضأ، وإن أراد أن يأكل أو يشرب يتمضمض ويغسل يديه، ثم يأكل ويشرب؛ لأن الجنابة حلت الفم فلو شرب قبل أن يتمضمض صار الماء مستعملا فيصير شاربا الماء المستعمل، ويده لا تخلو عن نجاسة فينبغي أن يغسلها ثم يأكل.

قلت: فيه نظر من وجوه لا تخفى:

الأول: أن هذا ليس مذهب أبي حنيفة، وإنما هو مذهب أبي يوسف على ما صرح به الطحاوي، وكل من ذكر أبا حنيفة ومحمدا مع من لا يرى بأسا للجنب إذا أراد النوم، فقد ذكر عن غير علم بمذهب أبي حنيفة، وإنما مذهبه أنه يرى باستحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم للأحاديث الصحيحة الواردة فيه، ألا ترى كيف صرح الطحاوي بذكر أبي يوسف مع الطائفة الأولى وسكت عن ذكر أبي حنيفة ومحمد، وهو أعلم الناس باختلاف العلماء من غير منازعة فيه:


إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام



والثاني: لا نسلم صيرورة الماء مستعملا للشرب، لعدم النية، وإزالة الحدث بالكلية.

والثالث: يفهم من كلامه أن شرب الماء المستعمل ممنوع، وليس كذلك؛ لأنه ماء طاهر بالإجماع، بل طهور أيضا عند البعض حتى قالوا: إنه يجوز الطبخ والعجن بالماء المستعمل، فإذا كان هذا جائزا فالشرب كذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية