صفحة جزء
822 ص: وقالوا ما ذكرتم عن بلال -رضي الله عنه-، فقد روي عنه خلاف ذلك مما سنذكره إن شاء الله بعد.


ش: أي قال هؤلاء الآخرون لأهل المقالتين المذكورتين: ما ذكرتم عن بلال -رضي الله عنه- من أنه أمر بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، فإنه وإن كان قد روي عنه ذلك فقد روي عنه أيضا خلافه على ما يجيء بيانه، فحينئذ يتعارض خبراه فيرجع حينئذ إلى الأصول وهو على وجوه:

الأول: أن مدعانا يرجح بكثرة الدلائل من الأخبار والآثار الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان.

والثاني: أن قوله: "أمر بلال " قد يقال فيه: إن الأمر مبهم، يحتمل أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن يكون غيره، وقد قيل: إن الآمر بذلك أبو بكر -رضي الله عنه-، وقيل: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فحصل فيه احتمالات تدفع الاحتجاج به، مع وجود الآثار الدالة على خلافه.

وقال الشيخ محيي الدين النووي : إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي، وهو رسول الله -عليه السلام-، ومثل هذه اللفظة قول الصحابي: "أمرنا بكذا"، أو "نهينا عن كذا" وأمر الناس بكذا فكله مرفوع سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله -عليه السلام- أم بعد وفاته.

[ ص: 37 ] قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق تنشأ الاحتمالات، وقوله: "سواء..." إلى آخره غير مسلم؛ لجواز أن يقول الصحابي بعد الرسول: "أمرنا بكذا" أو "نهينا عن كذا" ويكون الآمر أو الناهي أحد الخلفاء الراشدين.

والثالث: أن بعضهم ادعوا أن حديث أبي محذورة ناسخ لحديث أنس -رضي الله عنه- هذا، قالوا: وحديث بلال -رضي الله عنه- إنما كان أول ما شرع الأذان كما دل عليه حديث أنس ، وحديث أبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة، فإن قيل: شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوى في جميع جهات الترجح، وحديث أبي محذورة لا يساوي حديث أنس من جهة واحدة فضلا عن الجهات كلها.

قلت: لا نسلم أن من شرط الناسخ ذلك، بل يكفي فيه أن يكون صحيحا متأخرا معارضا غير ممكن الجمع بينه وبين معارضه، فلو فرضناهما متساويين في الصحة، ووجد ما ذكر من الشرط لثبت النسخ، وأما أنه يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نسلم، نعم لو كان دونه في الصحة ففيه نظر.

التالي السابق


الخدمات العلمية