صفحة جزء
50 [ ص: 150 ] ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن حديث مالك عن إسحاق بن عبد الله ، لا حجة لهم فيه من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات" لأن ذلك قد يجوز أن يكون أريد به كونها في البيوت ومماستها الثياب، فأما ولوغها في الماء فليس في ذلك دليل على أن ذلك يوجب النجاسة أم لا، وإنما الذي في الحديث من ذلك من فعل أبي قتادة ، . فلا ينبغي أن يحتج من قول رسول الله - عليه السلام - بما قد يحتمل المعنى الذي احتج به فيه ويحتمل خلافه، وقد رأينا الكلاب، كونها في المنازل للصيد والحراسة والزرع غير مكروه وسؤرها مكروه، فقد يجوز أيضا أن يكون ما روي عن رسول الله - عليه السلام - مما في حديث أبي قتادة أريد به الكون في المنازل وليس في ذلك دليل على حكم سؤرها ، هل هو مكروه أم لا؟.


ش: أي كان من الحجة للآخرين على أهل المقالة الأولى وهم أبو يوسف والشافعي ومالك وأحمد ومن تبعهم، تحرير هذا الكلام: أن احتجاج هؤلاء في مدعاهم بحديث مالك غير تام; لأنه قد يجوز أن يكون الرسول - عليه السلام - أراد من قوله: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين والطوافات" باعتبار كون الهر في البيوت وملاصقتها ثيابهم ونومها معهم في فرشهم، وبالاحتمال لا تقوم الحجة، وأما ولوغها في الماء فليس في الحديث دليل أن ذلك يوجب نجاسة سؤرها أم لا، وإنما الذي في الحديث من ذلك وهو إصغاء الإناء للهر للشرب، فعل أبي قتادة وليس بفعل الرسول - عليه السلام - ولا حكاية عن فعله، فلا يحتج من قول رسول الله - عليه السلام - بما ذكرنا من الاحتمال.

قوله: "ويحتمل خلافه" جملة وقعت حالا، أي بما قد يحتمل المعنى الذي احتج به الخصم فيه حال كونه محتملا لغيره، وهو الذي ذكره من قوله: "قد يجوز أن يكون أريد به ... " إلى آخره.

قوله: "وقد رأينا الكلاب ... " إلى آخره ذكره تأييدا وإيضاحا لما ذكره من الاحتمال بقوله: "لأن ذلك قد يجوز أن يكون أريد به كونها في البيوت ومماستها [ ص: 151 ] الثياب" تحريره أن يقال: إن الكلاب تكون في البيوت للصيد أو الحراسة أو الزرع وهو غير مكروه مع أن سؤرها مكروه، فيجوز أن يكون ما روي في حديث أبي قتادة من هذا القبيل وليس فيه دليل على حكم سؤرها. على أنا نقول: قد خالف أبا قتادة رجلان من أصحاب النبي - عليه السلام - أبو هريرة وابن عمر - رضي الله عنهم - فذهبا إلى نجاسة سؤرها، فلم يكن مذهب أبي قتادة أولى من مذهبهما، على أنه قد وافقهما جماعة من التابعين.

التالي السابق


الخدمات العلمية