صفحة جزء
903 ص: حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال: ثنا حامد بن يحيى ، قال: ثنا عبد الله بن [ ص: 151 ] الحارث ، قال: ثنا ثور بن يزيد ، عن سليمان بن موسى ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "سأل رجل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة، فقال: صل معي، فصلى رسول الله -عليه السلام- الصبح حين طلع الفجر ، ثم صلى الظهر حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين كان فيء الإنسان مثله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم صلى العشاء قبل غيبوبة الشفق، ثم صلى الصبح فأسفر، ثم صلى الظهر حين كان فيء الإنسان مثله، ثم صلى العصر حين كان فيء الإنسان مثليه، ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق، ثم صلى العشاء، فقال بعضهم: ثلث الليل، وقال بعضهم: شطر الليل" .


ش: حامد بن يحيى بن هانئ البلخي نزيل طرسوس شيخ أبي داود ، وثقه ابن حبان وغيره، وعبد الله بن الحارث بن عبد الملك القرشي روى له مسلم ، وثور بن يزيد بن زياد الكلاعي أبو خالد الشامي الحمصي روى له الجماعة سوى مسلم ، وسليمان بن موسى القرشي الأموي الدمشقي الأسدي روى له الأربعة، قال البخاري : عنده المناكير. وقال النسائي : أحد الفقهاء وليس بالقوي في الحديث.

وقال أبو حاتم : محله الصدق.

وهذا الحديث أخرجه خلق كثير بألفاظ مختلفة وأسانيد متغايرة.

ولكن أحمد بن حنبل أخرجه في "مسنده" نحو رواية الطحاوي : ثنا عبد الله بن الحارث ، حدثني ثور بن يزيد ، عن سليمان بن موسى ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله قال: سأل رجل رسول الله -عليه السلام- عن وقت الصلاة..." إلى آخره نحوه سواء، غير أن في لفظه: "ثم صلى العشاء حين غيبوبة الشفق، ثم صلى الصبح فأسفر" .

وأخرجه الترمذي : ثنا أحمد بن محمد بن موسى ، قال: أنا عبد الله بن المبارك ، [ ص: 152 ] قال: أنا حسين بن علي بن حسين ، قال: أخبرني وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله -عليه السلام- قال: "أمني جبريل -عليه السلام -..." فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه: "لوقت العصر بالأمس".

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وحديث ابن عباس حسن.

وقال محمد - يعني البخاري -: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -عليه السلام-.

وقال ابن القطان في كتابه: هذا الحديث يجب أن يكون مرسلا؛ لأن جابرا لم يذكر من حدثه بذلك، وجابر لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء؛ لما علم أنه أنصاري، إنما صحب بالمدينة ، ولا يلزم ذلك في حديث أبي هريرة وابن عباس ؛ فإنهما رويا إمامة جبريل -عليه السلام - من قول النبي -عليه السلام-.

وقال في "الإمام": هذا إرسال غير ضار فيبعد أن يكون جابر -رضي الله عنه- قد سمعه من تابعي غير صحابي.

وأخرجه النسائي أيضا: ثنا سويد بن نصر ، قال: أنا عبد الله ، عن حسين بن علي بن حسين ، قال: أخبرني وهب بن كيسان ، قال: ثنا جابر بن عبد الله قال: "جاء جبريل -عليه السلام - إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين زالت الشمس فقال: قم يا محمد فصل الظهر - حين مالت الشمس - ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه العصر فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم يا محمد فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل -عليه السلام - [ ص: 153 ] حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول فقال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جدا فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله" .

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا يوسف بن ناصح ، نا قدامة بن شهاب ، نا برد ، عن عطاء ، عن جابر . ونا إسحاق بن إبراهيم الصواف ، نا عمرو بن بشر ، نا برد ، عن عطاء ، عن جابر .

ونا محمد بن إسماعيل البخاري ، نا أيوب بن سليمان ، قال: نا أبو بكر بن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، عن صالح بن كيسان ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن جابر - واللفظ لفظ برد - عن عطاء ، عن جابر : "أن جبريل -عليه السلام - أتى النبي -عليه السلام- حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أتاه حين صار الظل قامة شخص الرجل، فتقدم جبريل -عليه السلام - ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس فتقدم جبريل ورسول الله عليهما السلام خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى المغرب، ثم أتاه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول الله -عليه السلام- خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام-، وصلى العشاء الآخرة، وأتاه حين سطع الفجر فتقدم جبريل ورسول الله عليهما السلام خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى الغداة.

وأتاه من اليوم الثاني حين صار الظل مثل قامة شخص الرجل، فتقدم جبريل ورسول الله عليهما السلام خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى الظهر، ثم أتاه حين صار الظل مثلي شخص الرجل فتقدم جبريل -عليه السلام - ورسول الله -عليه السلام- خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- وصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس - لوقت واحد - فتقدم جبريل -عليه السلام - ورسول الله -عليه السلام- خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى المغرب، ثم نمنا وقمنا إلى نحو ثلث الليل فتقدم جبريل -عليه السلام - ورسول الله [ ص: 154 ] -عليه السلام- خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى العشاء الآخرة، ثم أتاه حين أضاء الفجر - أو الصبح - فتقدم جبريل -عليه السلام - ورسول الله -عليه السلام- خلفه والناس خلف رسول الله -عليه السلام- فصلى الصبح ثم قال: ما بين الصلاتين وقت. فسأل رجل رسول الله -عليه السلام- عن الصلاة كما سألتني، فصلى بهم كما صلى بهم جبريل -عليه السلام - ثم قال: أين السائل عن الصلاة؟ ما بين الصلاتين وقت"
.

وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جابر بهذا اللفظ إلا من هذه الوجوه التي ذكرناها، وقد روي عن جابر في ذكر المواقيت وبعض المواقيت بغير هذا اللفظ.

ورواه الحاكم أيضا في "مستدركه" وابن حبان في "صحيحه".

قوله: "حين زاغت الشمس " أي: حين مالت عن كبد السماء شيئا يسيرا.

قوله: "حين كان فيء الإنسان" أي: ظله.

قوله: "حين وجبت الشمس" أي حين سقطت للغروب، من الوجوب وهو السقوط والوقوع.

قوله: "قبل غيبوبة الشفق " أي قبل غيابه، وهي كالديمومة، وسيجيء الكلام في قوله: "قبل غيبوبة الشفق" فإنه معارض لرواية غيره؛ لأن غيره روى: "بعد غيبوبة الشفق".

قوله: "شطر الليل" أي نصفه، واستدل الشافعي بأحاديث جابر على أن وقت المغرب وقت واحد، وهو عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم، فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء. والمحققون من أصحابه رجحوا قول الحنفية . وقال النووي : وهو الصحيح.

والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:

[ ص: 155 ] الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر.

والثاني: أن هذا متقدم في أول الأمر بمكة والأحاديث التي رويت بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها.

والثالث: أن الأحاديث التي وردت بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشمس أصح إسنادا من هذه الأحاديث فوجب تقديمها، وتلك الأحاديث هي قوله -عليه السلام-: "فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق" ، وفي رواية: "وقت المغرب ما يسقط نور الشفق" ، وفي رواية: "ما لم يغب الشفق" ، وفي رواية: "ما لم يسقط الشفق" .

وكل هذه في "صحيح مسلم ".

ومما يستفاد منه: أن آخر الأمرين من صلاته -عليه السلام- في الصبح هو الإسفار، فيكون مستحبا كما ذهبت إليه أئمتنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية