صفحة جزء
63 ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال: " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات". .


ش: رجاله رجال الصحيح ما خلا شيخ الطحاوي .

والأعمش اسمه سليمان .

وذكوان هو أبو صالح الزيات .

وأخرجه الجماعة على ما نذكره.

وأخرجه الدارقطني : عن عبد الله بن محمد ، عن عباس بن الوليد النرسي ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح وأبي رزين ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" .

قوله: "إذا ولغ" قد استقصينا تفسير الولوغ في الباب الذي قبله.

واستنبط منه أحكام:

الأول: استدلت به جماعة على وجوب غسل الإناء سبع مرات عند ولوغ الكلب، وسيأتي بيانه مفصلا.

الثاني: أن ظاهر الأمر بالغسل يدل على نجاسة الإناء والماء، ويؤيد ذلك الرواية الأخرى: "طهور إنائكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" .

[ ص: 168 ] رواه مسلم وأبو داود ; وذلك لأن الطهارة تارة تستعمل عن الحدث وتارة عن الخبث، ولا حدث على الإناء فبقي الخبث، وأما مالك فحمله على التعبد; لاعتقاده طهارة الماء والإناء، وربما رجحه أصحابه بذكر هذا العدد المخصوص بالسبع; لأنه لو كان للنجاسة لاكتفي بما دون السبع; فإنه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة وقد اكتفي فيها بما دون السبع، والحمل على الأول وهو التنجس أقوى; لأنه شيء دار الحكم بين كونه تعبدا وبين كونه معقول المعنى، فالثاني أولى لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى، وأما كونه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة فممنوع.

الثالث: أن العلة من الحكم المذكور هي النجاسة، وقيل: القذارة لاستعماله النجاسات، وقيل: علته لأنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا; فغلظ عليهم بذلك، ومنهم من قال: إن ذلك معلل بما يتقى من كلب الكلب، والعدد السبع قد جاء في مواضع من الشرع على جهة الطب والتداوي، وفيه نظر; لأن الكلب الكلب لا يقرب الماء; على ذلك جماعة من الأطباء.

الرابع: أن ظاهر الأمر فيه يدل على الوجوب، وعن مالك أنه للندب، وقد اتفق أصحابنا وجمهور الشافعية وجماعة من المعتزلة على أن الأمر المطلق -أي المتجرد عن القرائن الدالة على الوجوب أو العدم- أنه للوجوب وأنه حقيقة فيه، مجاز فيما سواه، وذهب بعض فقهاء أهل السنة وجماعة من المعتزلة إلى أنه حقيقة في الندب مجاز فيما سواه، وذهب طائفة إلى أنه حقيقة للطلب المشترك بين الوجوب والندب، وهو ترجيح الفعل على الترك فتكون من الاشتراك المعنوي، وقيل: مشترك بينهما باشتراك لفظي، وقيل: مشترك بين الوجوب والندب والإباحة بالاشتراك اللفظي.

[ ص: 169 ] الخامس: أن لفظ الإناء أعم من أن يكون إناء ماء، أو إناء مائع آخر، أو إناء طعام، وعن مالك : لا يغسل إلا إناء الطعام -وهو نص المدونة- لأنه مصون.

السادس: أن ظاهر الحديث عام في جميع الكلاب، وفي مذهب مالك أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره، والرابع لابن الماجشون : يفرق بين البدوي والحضري.

ثم اختلف أصحابنا في الكلب هل هو نجس العين كالخنزير أم لا؟ والأصح أنه ليس بنجس العين، كذا في "البدائع" وفي "الإيضاح": فأما عين الكلب فقد روي عن محمد أنه نجس، وكذا عن أبي يوسف ، وبعضهم قالوا: هو طاهر; بدلالة طهارة جلده بالدباغ.

وقال في فصل مسائل البئر: فأما الحيوان النجس كالكلب والخنزير والسباع ينزح كله; لأنه نجس في عينه، ولهذا قالوا في كلب إذا ابتل وانتضح منه على ثوب أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه، وذكر في "قنية المنية": الذي صح عندي من الروايات في "النوادر والأمالي" أن الكلب نجس العين عندهما، وعند أبي حنيفة ليس بنجس العين، وفائدته تظهر في كلب وقع في بئر وخرج حيا فأصاب ثوب إنسان، ينجس الماء والثوب عندهما; خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.

السابع: أن الظاهرية تعلقوا بظاهر ألفاظ الحديث وحكموا بأشياء مخالفة للإجماع، فقال ابن حزم : فإن أكل الكلب في الإناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا يهراق ما فيه البتة، وهو طاهر حلال كله كما كان، وكذا لو ولغ الكلب في بقعة في الأرض أو في يد إنسان أو فيما لا يسمى إناء فلا يلزم غسل شيء من ذلك ولا يهراق ما فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية