صفحة جزء
998 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: أما حديث زيد بن ثابت فليس فيه عن النبي -عليه السلام- إلا قوله: "لينتهين أقوام، أو لأحرقن عليهم بيوتهم" وأن النبي -عليه السلام- كان يصلي الظهر بالهجير، ولا يجتمع معه إلا الصف والصفان ، فأنزل الله هذه الآية، فاستدل هو بذلك على أنها الظهر؛ فهذا قول من زيد بن ثابت ولم يروه عن النبي، وليس في هذه الآية عندنا دليل على ذلك؛ لأنه قد يجوز أن تكون هذه الآية أنزلت للمحافظة على الصلوات كلها، الوسطى وغيرها، ومن المحافظة عليها حضورها حيث تصلى، فقال لهم النبي -عليه السلام- في الصلاة التي يفرطون في حضورها: "لينتهين أقوام أو لأحرقن عليهم بيوتهم" يريد لينتهين أقوام عن تضييع هذه الصلاة التي قد أمرهم الله بالمحافظة عليها، أو لأحرقن عليهم بيوتهم، وليس في شيء من ذلك دليل على الصلاة الوسطى أي صلاة هي منهن.


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون فيما ذهبوا إليه، وهم جماعة كثيرة منقولة في مخالفيهم، أولئك القوم مختلفون أيضا فيما بينهم، على ما يجيء مفصلا إن شاء الله تعالى.

قوله: "فقالوا: أما حديث زيد بن ثابت ..." إلى آخره جواب عما احتج به أولئك القوم، ورد لاستدلالهم؛ فإنه لا يصلح لما ذهبوا إليه، ووجه ذلك ظاهر غني عن البيان، وكذلك أثر ابن عمر -رضي الله عنهما- ليس فيه دليل عن أن النبي -عليه السلام- على أن الصلاة الوسطى هي الظهر ، وإنما هو قول ابن عمر -رضي الله عنه- وإخباره عما كانوا يتحدثون أنها الصلاة التي توجه فيها رسول الله -عليه السلام- إلى الكعبة شرفها الله، ثم العلماء ذكروا في هذا الباب عشرين قولا:

[ ص: 292 ] الأول: أن الصلاة الوسطى هي العصر ، وهو قول أبي هريرة وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وسمرة بن جندب وأم سلمة -رضي الله عنهم-.

وقال ابن حزم : ولا يصح عن علي ولا عن عائشة غير هذا أصلا، وهو قول الحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي وابن سيرين وسعيد بن جبير وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر ويونس وقتادة والشافعي وأحمد والضحاك بن مزاحم وعبيد بن تميم وزر بن حبيش ومحمد بن السائب ومقاتل وآخرين، وقال أبو الحسن الماوردي ، وهو مذهب جمهور التابعين.

وقال أبو عمر : هو قول أكثر أهل الأثر.

وقال ابن عطية : عليه جمهور الناس.

وقال أبو جعفر الطبري : الصواب من ذلك ما تظاهرت به الأخبار من أنها العصر.

وقال أبو عمر : وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب .

وقال الترمذي : هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم.

قال الماوردي : هذا مذهب الشافعي ؛ لصحة الأحاديث فيه.

قلت: هو أيضا قول داود وابن المنذر .

الثاني: أنها المغرب ؛ وهو قول قبيصة بن ذؤيب ، قال أبو عمر : هذا لا أعلمه قاله غير قبيصة .

الثالث: أنها العشاء الآخرة ؛ وهو قول الماوردي ، وزعم البغوي في "شرح السنة" أن السلف لم ينقل عن أحد منهم هذا القول، قال: وقد ذكره بعض المتأخرين.

الرابع: أنها الصبح ، وهو قول جابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وابن عباس - في قول - وابن عمر - في قول - وعطاء بن أبي رباح وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس والشافعي - في قول - وقال أبو عمر : وممن قال: الصلاة الوسطى [ ص: 293 ] صلاة الصبح : عبد الله بن عباس وهو أصح ما روي عنه في ذلك، وهو قول طاوس ومالك وأصحابه.

وفي بعض شروح البخاري : وهو قول عمر بن الخطاب وابنه وأبي موسى ومعاذ - فيما ذكره البغوي - وعلي بن أبي طالب ، قال أبو عمر : ولم يصح عنه ذلك، وصح عن ابن عباس .

الخامس: أنها إحدى الصلوات الخمس ولا تعرف بعينها ، روي ذلك عن ابن عمر من طريق صحيح؛ قال نافع : سأل ابن عمر رجل عن الصلاة الوسطى، فقال: هي منهن فحافظوا عليهن كلهن" وبنحوه قال الربيع بن خثيم وزيد بن ثابت - في رواية - وشريح القاضي ونافع .

السادس: أنها الخمس ؛ إذ هي الوسطى من الدين كما قال -عليه السلام-: "بني الإسلام على خمس" قالت جماعة هي الوسطى من الخمس، روي ذلك عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن غنيم فيما ذكره النقاش ، وفي كتاب الحافظ أبي الحسن علي بن الفضل ، قيل: ذلك لأنها وسط الإسلام، أي حياده، وكذلك قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

السابع: أنها هي المحافظة على وقتها مع الصلوات ، وفي كتاب "التفسير" لابن أبي حاتم : ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا المحاربي وابن فضيل ، عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قال: هي المحافظة على وقتها.

الثامن: أنها مواقيتها وشروطها وأركانها ، وقال مقاتل بن حيان : الوسطى: مواقيتها ووضوءها وتلاوة القرآن فيها والتكبير والركوع والسجود والتشهد والصلاة على النبي -عليه السلام-، فمن فعل ذلك فقد أتمها وحافظ عليها.

وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا به محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن علي بن شقيق ، أنا محمد بن مزاحم ، عن بكر بن معروف ، عنه.

[ ص: 294 ] وذكر أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" عن ابن عباس نحوه.

التاسع: أنها الجمعة خاصة حكاه أبو الحسن الماوردي وغيره؛ لما اختصت به دون غيرها، وقال ابن سيده في "المحكم": لأنها أفضل الصلوات، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ، إلا أن يقوله برواية يسندها إلى رسول الله -عليه السلام-.

العاشر: أنها الجمعة يوم الجمعة، وفي سائر الأيام الظهر ، حكاه أبو جعفر محمد بن مقسم في تفسيره.

الحادي عشر: أنها صلاتان: الصبح والعشاء ، وعزاه ابن مقسم في تفسيره لأبي الدرداء ؛ لقوله -عليه السلام-: "لو تعلمون ما في العتمة والصبح..." الحديث.

الثاني عشر: أنها العصر والصبح ، وهو قول أبي بكر المالكي الأبهري .

الثالث عشر: أنها الجماعة في جميع الصلاة ، حكاه الماوردي .

الرابع عشر: أنها الوتر .

الخامس عشر: أنها صلاة الضحى .

السادس عشر: أنها صلاة العيدين .

السابع عشر: أنها صلاة عيد الفطر .

الثامن عشر: أنها صلاة الخوف .

التاسع عشر: أنها صلاة عيد الأضحى .

العشرون: أنها المتوسطة بين الطول والقصر .

وأصحها العصر؛ للأحاديث الصحيحة، والباقي بعضها ضعيف وبعضها غلط، وفي المراد بالصلاة الوسطى ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها أوسط الصلوات مقدارا.

[ ص: 295 ] والثاني: أنها أوسطها محلا.

والثالث: أنها أفضلها، وأوسط كل شيء أفضله فمن قال الوسطى: الفضلى جاز لكل ذي مذهب أن يدعيه، ومن قال: مقدارا فهي المغرب؛ لأن أقلها ركعتين وأكثرها أربع. ومن قال: محلا ذكر كل أحد مناسبة يوجه لها.

التالي السابق


الخدمات العلمية