صفحة جزء
1024 ص: وذهب أيضا من ذهب إلى أنها غير العصر ، أنه قد روي عن النبي -عليه السلام- ما يدل على ذلك، فذكروا ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال: حدثني أبي، عن أبي إسحاق ، قال: ثنا أبو جعفر محمد بن علي ونافع مولى عبد الله بن عمر ، أن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حدثهما: "أنه كان يكتب المصاحف على عهد أزواج النبي -عليه السلام-، قال: فاستكتبتني حفصة ابنة عمر -رضي الله عنهما- زوج النبي -عليه السلام- مصحفا، وقالت لي: إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني فأملها عليك كما حفظتها من النبي -عليه السلام-، قال: فلما بلغتها أتيتها بالورقة التي أكتبها، فقالت: اكتب: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " .

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن رافع ... مثله عن حفصة ، غير أنها لم تذكر عن النبي -عليه السلام-.


ش: "من ذهب" فاعل قوله: "وذهب".

قوله: "إلى أنها" أي: إلى أن الصلاة الوسطى غير العصر ، وهذا يشمل من يقول: إنها الصبح، ومن يقول: إنها الظهر، وغيرها ممن يقول غير العصر.

قوله: "أنه" في موضع التعليل، أي: لأنه قد روي عن النبي -عليه السلام- ما يدل على ذلك، أي على كون الصلاة الوسطى غير العصر، وهو أن إملاء حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- على عمرو بن رافع : "اكتب: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر" يدل على أن العصر ليست بالصلاة الوسطى، وأنها غير العصر؛ لأنها عطفت على الصلاة الوسطى، فتكون غيرها؛ لاقتضاء العطف المغايرة.

[ ص: 322 ] ثم إنه أخرج حديث حفصة من طريقين صحيحين: أولهما: مرفوع، والآخر موقوف.

فالأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد القرشي الزهري المدني ، عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم- المدني نزيل بغداد ، عن محمد بن إسحاق المدني ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- المعروف بالباقر ، وعن نافع مولى عبد الله بن عمر ، كلاهما عن عمرو بن رافع المدني ... إلى آخره.

وأخرجه البيهقي في "سننه": بهذا الإسناد بعينه، وفيه مخالفة للرواية السالفة من حديث أحمد بن خالد ، ثنا ابن إسحاق ، عن أبي جعفر محمد بن علي ونافع ، كلاهما عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب قال: "كنت أكتب المصاحف فاستكتبتني حفصة بنت عمر مصحفا لها، فقالت: أي بني، إذا انتهيت إلى هذه الآية: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فلا تكتبها حتى تأتيني فأملها عليك كما حفظتها من رسول الله -عليه السلام-، فلما انتهيت إليها حملت الورقة والدواة حتى جئتها، فقالت: اكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى هي صلاة العصر وقوموا لله قانتين" .

وهذا كما ترى مخالف للأول، ونبه الذهبي على أن الرواية الأولى - أعني التي أخرجها الطحاوي - هي الأصح".

والثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن رافع ... إلى آخره.

وأخرجه مالك في "الموطإ": عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن رافع ، أنه قال: "كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين، فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني [ ص: 323 ] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" .

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه": عن ابن جريج ، قال: أخبرني نافع : "أن حفصة زوج النبي -عليه السلام- دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه، وقالت: إذا بلغت هذه الآية: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فآذني، فلما بلغها جاءها، فكتبت بيدها: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين .

وأخرج أيضا عن داود بن قيس : أنه سمع عبد الله بن رافع يقول: "أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فأخبرني، فأخبرتها، فقالت: اكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" وكلاهما موقوف.

وقال أبو عمر : حديث حفصة هذا قد اختلف في رفعه، ومتنه أيضا، وممن رفعه عن زيد : هشام بن سعد ، ورواه سنيد عن هشيم ، وقال فيه: "والصلاة الوسطى صلاة العصر "بغير واو، وهذا خلاف ما روي عنها: "والصلاة الوسطى وصلاة العصر" بالواو.

وقال البيهقي : الوقف أثبت من الرفع.

قوله: "على عهد أزواج النبي -عليه السلام- " أي على زمنهن وأيامهن.

قوله: "استكتبتني" من الاستكتاب، وهو طلب الكتابة.

قوله: "آذني" بالمد أي أعلمني، من آذن يؤذن إيذانا، إذا أعلم.

قوله: "فأملت علي" أي: لقنت علي ما أكتبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية