صفحة جزء
1133 ص: حدثنا علي بن معبد بن نوح البغدادي ، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ثم الظفري ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "سمعته يقول: ما كان أحد أشد تعجيلا لصلاة العصر من رسول الله -عليه السلام-، إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارا من مسجد رسول الله -عليه السلام- لأبو لبابة بن عبد المنذر أحد بني عمرو بن عوف وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة ، دار أبي لبابة بقباء ، ودار أبي عبس في بني حارثة ، ثم إن كانا ليصليان مع رسول الله -عليه السلام- العصر، ثم يأتيان قومهما وما صلوها؛ لتبكير رسول الله -عليه السلام- بها ".


ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني .

وأخرجه الدارقطني في "سننه": ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ، ثنا أحمد بن خالد الوهبي ، ثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أنس بن مالك : "كان أبعد رجلين من الأنصار من رسول الله -عليه السلام- دارا أبو لبابة بن عبد المنذر وأهله بقباء ، وأبو عبس بن جبر ومسكنه في بني حارثة ، فكانا يصليان مع رسول الله -عليه السلام-، ثم يأتيان قومهما وما صلوا؛ لتعجيل رسول الله -عليه السلام- بها" .

وأخرجه الطبراني أيضا في "الأوسط".

[ ص: 468 ] قوله: (إن كان) . "إن" هذه مخففة من المثقلة، وأصله إنه كان.

قوله: (أبعد) مرفوع؛ لأنه اسم كان، وخبره قوله: " لأبو لبابة " ودخلت "اللام" فيه للتأكيد، ولهذا جاءت مفتوحة.

وقوله: (دارا) نصب على التمييز.

قوله: (أحد بني عمرو ) صفة لقوله: " لأبو لبابة " ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف، أي: هو أحد بني عمرو ، فحينئذ الجملة أيضا صفة لأبي لبابة

وأبو لبابة - بضم اللام - وتخفيف الباء الموحدة ثم ألف وباء أخرى - واسمه رفاعة بن المنذر ، وقيل: بشير بن عبد المنذر غلبت عليه كنيته، كان من النقباء، وشهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وقيل: لم يشهد بدرا، بل أمره رسول الله -عليه السلام- على المدينة ، وضرب له بسهم مع أصحاب بدر ، وكانت معه راية بني عمرو بن عوف يوم الفتح، مات في خلافة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

قوله: ( وأبو عبس ) عطف على قوله: " لأبو لبابة " واسمه عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث الأنصاري الحارثي المدني غلبت عليه كنيته، شهد بدرا، ومات بالمدينة سنة أربع وثلاثين ودفن بالبقيع وله سبعون سنة، وعبس بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وبالسين المهملة.

وجبر بفتح الجيم، وسكون الباء الموحدة.

قوله: (دار أبي لبابة ) مبتدأ، وخبره: قوله: " بقباء "، والجملة بيان لقوله: "أبعد رجلين من الأنصار دارا" وكذلك قوله: "ودار أبي عبس " مبتدأ، وخبره قوله: "في بني حارثة " وقباء بضم القاف، وبالباء الموحدة، تمد وتقصر قرية على ميلين من المدينة ، وهناك مسجد التقوى.

قوله: (ثم إن كانا) "إن" هذه مخففة من المثقلة، وأصله: ثم إنه كانا.

قوله: (وما صلوها) جملة حالية.

[ ص: 469 ] قوله: (لتبكير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها) أي: لتعجيل رسول الله -عليه السلام- بالعصر ، وبه استدل الشافعي وأحمد وإسحاق وعبد الله بن المبارك أن الأفضل تعجيل العصر، وقال الترمذي : وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي -عليه السلام-: منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس وغير واحد من التابعين في تعجيل صلاة العصر ، وكرهوا تأخيرها، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق .

وقال عياض : هذا الحديث وأشباهه حجة للجماعة في أن أول وقت العصر القامة، وأن صلاتها لأول وقتها أفضل ، ورد على من خالفهم؛ إذ لو كان القامتان كما قال أبو حنيفة لما اتفق أن يجدوا بني عمرو يصلون إلا في الاصفرار ولا وصلوا إلى قباء والعوالي إلا بعد سقوط الشمس ونزولها وتغيرها، وكذا قال الشيخ محيي الدين : المراد من هذه الأحاديث المبادرة بصلاة العصر أول وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة.

ثم قال: وفيها دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور؛ أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة : لا يدخل وقته حتى يصير ظل كل شيء مثليه، وهذه حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس في بيان المواقيت، وحديث جابر وغير ذلك.

قلت: الجواب من جهة أبي حنيفة أنه -عليه السلام- أمر بالإبراد بالظهر بقوله: "أبردوا بالظهر" يعني صلوها إذا سكنت شدة الحر، واشتداد الحر في ديارهم يكون وقت صيرورة ظل كل شيء مثله، ولا يفتر الحر إلا بعد المثلين، فإذا تعارضت الأخبار يبقى ما كان على ما كان، ووقت الظهر ثابت بيقين فلا يزول بالشك، ووقت [ ص: 470 ] العصر ما كان ثابتا فلا يدخل بالشك، وأما حديث ابن عباس وجابر وغيرهما فلا يدل على أن لا يكون ما وراء وقت الإمامة وقتا للظهر ألا ترى أن جبريل -عليه السلام - أم للفجر في اليوم الثاني حين أسفر والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس، وكذلك صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى بعده إلى طلوع الفجر.

وأما الجواب عن حديث أنس وما يشابهه محمول على أن ذلك كان في وقت الصيف، أو كان ذلك في وقت مخصوص لعدد، والأفضل عند أصحابنا أن يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغير في الشتاء والصيف جميعا، قاله في "البدائع" لما روي عنه -عليه السلام-: "كان يؤخر العصر ما دامت بيضاء نقية" .

أخرجه أبو داود وهذا فيه بيان تأخيره العصر؛ ولأن في تأخيره تكثير النوافل؛ لأن النافلة بعدها مكروهة.

التالي السابق


الخدمات العلمية