صفحة جزء
1192 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا نرى الجهر بها، واختلفوا بعد ذلك فقال بعضهم: يقولها سرا، وقال بعضهم: لا يقولها البتة، لا في السر ولا في العلانية.


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم الأوزاعي والثوري وعبد الله بن المبارك ، وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا وأحمد وإسحاق ؛ فإنهم قالوا: لا يجهر بالبسملة ، ثم اختلفوا بعد ذلك، فقال: بعضهم يقولها سرا ، وأراد بهؤلاء البعض: الثوري وأبا حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق .

وقال بعضهم: لا يقولها البتة لا في السر ولا في العلانية ، وأراد بهؤلاء البعض: الأوزاعي ومالكا وابن جرير الطبري .

وقال أبو عمر : قال مالك : لا تقرأ البسملة في الفرض سرا ولا جهرا، وفي [ ص: 570 ] النافلة إن شاء فعل وإن شاء ترك. وهو قول الطبري ، وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل : تقرأ مع أم القرآن في كل ركعة، إلا ابن أبي ليلى قال: إن شاء جهر بها، وإن شاء أخفاها، وقال سائرهم: يخفيها. وقال الشافعي : هي آية من الفاتحة يخفيها إذا أخفى، ويجهر بها إذا جهر، واختلف قوله هل هي آية من كل سورة أم لا ؟ على قولين: أحدهما: نعم. وهو قول ابن المبارك . والثاني: لا. وقال أيضا: أجمعت الأمة أن الفاتحة سبع آيات وقال النبي -عليه السلام-: هي السبع المثاني، ثم جاء في هذا الحديث وأشار به إلى حديث أبي هريرة : "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي..." الحديث. أنه عدها سبع آيات ليس فيها "بسم الله الرحمن الرحيم"، وأن أنعمت عليهم آية، وهو عدد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة وأكثر القراء، وأما أهل الكوفة من القراء فإنهم عدوا فيها بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعدوا أنعمت عليهم وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد : هي آية من الفاتحة. وللشافعي قولان:

أحدهما: أنها آية من الفاتحة دون غيرها من السور .

والقول الآخر: هي آية من أول كل سورة .

وكذلك اختلف أصحابه على القولين جميعا.

وأما أصحاب أبي حنيفة فزعموا أنهم لا يحفظون عنه هل هي آية من الفاتحة أم لا، ومذهبه يقتضي أنها ليست آية من فاتحة الكتاب؛ لأنه يسر بها في السر والجهر.

وقال داود : هي آية من القرآن في كل موضع وقعت فيه، وليست من السور،

[ ص: 571 ] وإنما هي آية مفردة غير ملحقة بالسور، وزعم الرازي : أن مذهب أبي حنيفة هكذا. انتهى.

قلت: الصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن؛ لأن الأمة أجمعت أن ما كان مكتوبا بين الدفتين بقلم الوحي فهو من القرآن، والتسمية كذلك، وكذلك روى المعلى عن محمد فقال: قلت لمحمد : التسمية آية من القرآن أم لا؟ فقال: ما بين الدفتين كله قرآن. وكذا روى الجصاص عن محمد أنه قال: التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور، وللبداية بها تبركا، وليست بآية من كل واحدة منها، وينبني على هذا أن فرض القراءة في الصلاة يتأدى بها عند أبي حنيفة إذا قرأها على قصد القراءة دون الثناء عند بعض مشايخنا؛ لأنها آية من القرآن، وقال بعضهم: لا يتأدى؛ لأن في كونها آية تامة احتمالا، فإنه روي عن الأوزاعي أنه قال: ما أنزل الله في القرآن "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا في سورة النمل، وهي وحدها ليست بآية تامة وإنما الآية من قوله: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فوقع الشك في كونها آية تامة، فلا يجوز بالشك، وكذا يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءتها على قصد القرآن ، أما على قياس قول الكرخي ؛ لأن ما دون الآية يحرم عليهم، وكذا على رواية الطحاوي ؛ لاحتمال أنها آية تامة فيحرم عليهم قراءتها احتياطيا، وهذا القول هو قول المحققين من أصحاب أبي حنيفة ، وهو قول ابن المبارك وداود وأتباعه، وهو المنصوص عن أحمد .

وقالت طائفة: إنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل ، وهو قول مالك وبعض الحنفية وبعض الحنابلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية