صفحة جزء
1349 1350 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا نعيم بن حماد ، قال: ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن النبي - عليه السلام -: "أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود". .

[ ص: 164 ] حدثنا محمد بن النعمان، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا وكيع ، عن سفيان ... فذكر بإسناده مثله.


ش: هذان إسنادان صحيحان ورجالهما رجال الصحيح ما خلا إبراهيم بن أبي داود البرلسي ومحمد بن النعمان .

وأخرجه أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم يعني ابن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة، قال: قال عبد الله بن مسعود: "ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - عليه السلام -؟ قال: فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة".

وأخرجه الترمذي : عن هناد ، عن وكيع ، عن سفيان ... إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "إلا في أول مرة".

وأخرجه النسائي : عن محمود بن غيلان ، عن وكيع ... إلى آخره نحوه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه" : عن وكيع ، عن سفيان ... إلى آخره نحوه.

وكذا العدني أخرجه في "مسنده": عن وكيع ، عن سفيان ... إلى آخره.

فإن قيل: قد اعترض على هذا الحديث من ثلاثة أوجه:

الأول: ما رواه الترمذي بسنده: عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: "أنه - عليه السلام - لم يرفع يديه إلا في أول مرة". وثبت حديث ابن عمر: "أنه رفع عند الركوع، وعند الرفع، وعند القيام من الركعتين" .

[ ص: 165 ] ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي في "سننيهما"، وذكره المنذري في مختصره للسنن.

الثاني: مما قال المنذري: قال غير ابن المبارك: إن عبد الرحمن لم يسمع من علقمة .

الثالث: ما قال الحاكم: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في "الصحيح" وكان يختصر الأخبار فيؤديها بالمعنى وإن لفظة "ثم لا يعود" في الرواية الأخرى غير محفوظة في الخبر، نقل البيهقي في "سننه" عن الحاكم هكذا.

قلت: أما الجواب عن الأول: أن عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع ثبوته عند غيره، فقد قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - عليه السلام - والتابعين، وهو قول سفيان وأهل الكوفة انتهى.

ولو لم يثبت هذا الخبر عند سفيان لما عمل به، وصححه ابن حزم في "المحلى" وهو يدور على عاصم بن كليب، وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم. فلا نسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به.

وأما الجواب عن الثاني: أن قول المنذري غير قادح; فإنه عن رجل مجهول، وهو قول عجيب لأنه تعليل بقول رجل مجهول شهد على النفي وقال الشيخ في "الإمام": وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في "مراسيله" وإنما ذكره في كتاب "الجرح والتعديل" فقال: وعبد الرحمن بن الأسود أدخل على عائشة وهو صغير ولم يسمع منها، وروى عن أبيه وعلقمة. ولم يقل: إنه مرسل، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: إنه مات في سنة تسع وتسعين. فكان سنه سن إبراهيم النخعي، فإذا كان سنه سن إبراهيم فما المانع من سماعه من علقمة، مع الاتفاق على سماع النخعي منه، ومع هذا كله فقد صرح الخطيب في كتاب [ ص: 166 ] "المتفق والمفترق" في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة، وكذا قال في "الكمال": سمع عائشة زوج النبي - عليه السلام -، وأباه، وعلقمة بن قيس .

وأما الجواب عن الثالث: وهو تضعيف الحاكم عاصما، فقد قلنا: إن ابن معين وثقه، وأنه من رجال الصحيح، وقول الحاكم: إن حديثه لم يخرج في "الصحيح" غير صحيح; فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة ، عن علي في "الهدي" ، وحديثه عنه عن علي: "نهاني رسول الله - عليه السلام - أن أجعل خاتمي في هذه والتي تليها" وغير ذلك أيضا، فليس من شرط الصحيح التخريج عن كل عدل، وقد أخرج هو في مستدركه عن جماعة لم يخرج لهم في "الصحيح" وقال: هو على شرط الشيخين، وإن أراد بقوله لم يخرج حديثه في "الصحيح" أي هذا الحديث فليس ذاك بعلة، وإلا لفسد عليه مقصوده كله من "المستدرك".

والحاصل أن رجال هذا الحديث على شرط مسلم، فالحديث حينئذ صحيح، والدور على تضعيفه لا يفيد.

فإن قيل: قال البيهقي : روى هذا الحديث عبد الله بن إدريس ، عن عاصم بن كليب فذكر فيه رفع يديه حين كبر في الابتداء، فلم يتعرض للرفع ولا لتركه بعد ذلك، وذكر تطبيق يديه بين فخذيه، وقد يكون رفعهما فلم ينقله كما لم ينقل سائر سنن الصلاة، وقد يكون ذلك في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخا، وصار الأمر في السنة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه فخفي جميعا على عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

[ ص: 167 ] قلت: هذا رد لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - في الاقتصار على الرفع مرة لمجرد احتمال بعيد; ولا يلزم من نسخ التطبيق نسخ الاقتصار على الرفع في التكبيرة الأولى، وقد جاء لحديثه هذا شاهد جيد.

وهو ما أخرجه البيهقي أيضا: من حديث محمد بن جابر ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود: "صليت خلف النبي - عليه السلام - وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة".

فإن قيل: قال الدارقطني : تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفا، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا، عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي - عليه السلام -، وهو الصواب.

قلت: ذكر ابن عدي أن إسحاق -يعني ابن إسرائيل- كان يفضل محمد بن جابر على جماعة شيوخ هم أفضل منه وأوثق، وقد روى عنه من الكبار مثل: أيوب وابن عون وهشام بن حسان والسفيانين وشعبة وغيرهم، ولولا أنه في ذلك المحل لم يرو عنه مثل هؤلاء والذين هم دونهم، وقد خالف في أحاديث، ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه. وقال الفلاس: صدوق. وأدخله ابن حبان في "الثقات".

وحماد بن أبي سليمان روى له الجماعة إلا البخاري، ووثقه يحيى القطان وأحمد بن عبد الله العجلي، وقال شعبة: كان صدوق اللسان.

وإذا تعارض الوصل مع الإرسال والرفع مع الوقف فالحكم عند أكثرهم للواصل والرافع لأنهما زادا والزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم .

وأما حديث عبد الله بن إدريس الذي ذكره البيهقي .

[ ص: 168 ] فقد أخرجه البزار في "مسنده" : ثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن العباس الضبعي، قالا: نا عبد الله بن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، عن عبد الله قال: "ألا أريكم صلاة رسول الله - عليه السلام -؟ فكبر ورفع يديه حين افتتح الصلاة، فلما ركع طبق يديه وجعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -".

التالي السابق


الخدمات العلمية