صفحة جزء
1426 [ ص: 291 ] ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول المأموم: ربنا ولك الحمد خاصة، وقالوا: ليس في قول النبي - عليه السلام -: "وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد" دليل على أن ذلك يقوله الإمام دون غيره، ولو كان ذلك كذلك; لاستحال أن يقولها من ليس بمأموم.

فقد رأيناكم تجمعون على أن المصلي وحده يقولها مع قوله: " سمع الله لمن حمده"; فكما كان من يصلي وحده يقولها وليس بمأموم، ولم ينف ذلك ما ذكرنا من قول رسول الله - عليه السلام -; كان الإمام أيضا يقولها كذلك، ولا ينفي ذلك ما ذكرنا من قول رسول الله - عليه السلام -.


ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي وابن سيرين وأبا بردة والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبا يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد في المشهور; فإنهم قالوا: بل يجمع الإمام بين التسميع والتحميد. وإليه ذهبت الظاهرية أيضا.

وفي "المغني" لابن قدامة: وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم: ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهم -.

قوله: "ثم يقول المأموم: ربنا ولك الحمد خاصة" يعني لا يجمع بينه وبين "سمع الله لمن حمده"; وفيه خلاف الشافعي .

وقال الترمذي في "جامعه": وقال ابن سيرين وغيره: يقول من خلف الإمام: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" مثل ما يقول الإمام; وبه يقول الشافعي وإسحاق .

قلت: وهو قول ابن نافع وعيسى من أصحاب مالك، ويروى عن مالك أيضا، وإليه ذهبت الظاهرية أيضا.

[ ص: 292 ] وقال صاحب "المغني": قال ابن سيرين وأبو بردة وأبو يوسف ومحمد والشافعي وإسحاق: يقول المأموم ذلك كالإمام. انتهى.

قلت: عده أبا يوسف ومحمدا منهم ليس بصحيح; فإن مذهبهما كمذهب الجمهور: أن المأموم يقتصر على التحميد ولا يجمع بينهما.

قوله: "وقالوا" أي قال الآخرون; هذا جواب عما استدل به أهل المقالة الأولى بالآثار المذكورة على أن التسميع لا يقوله الإمام دون المأموم وهو ظاهر.

قوله: فقد رأيناكم تجمعون على أن المصلي وحده يقولها مع قوله: "سمع الله لمن حمده" أي يقول: "ربنا لك الحمد" مع "سمع الله لمن حمده" وفيه كلام; فقال صاحب "البدائع": وإن كان منفردا يأتي بالتسميع في ظاهر الرواية، وكذا بالتحميد عندهم، وعن أبي حنيفة روايتان:

روى المعلى، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة أنه قال: يأتي بالتسميع دون التحميد.

وإليه ذهب الشيخ أبو القاسم الصفار والشيخ أبو بكر الأعمش، وروى الحسن ، عن أبي حنيفة: أنه يجمع بينهما. وذكر في بعض النوادر عنه: أنه يأتي بالتحميد لا غير. وفي "الجامع الصغير" ما يدل عليه; فإن أبا يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن الرجل يرفع رأسه من الركوع في الفريضة يقول: اللهم اغفر لي؟ قال: يقول: ربنا لك الحمد، ويسكت.

وما أراد به الإمام لأنه لا يأتي بالتحميد عنده; فكان المراد به المنفرد.

وجه هذه الرواية: أن التسميع ترغيب في التحميد، وليس معه من يرغبه، والإنسان لا يرغب نفسه; فكانت حاجته إلى التحميد لا غير.

وجه رواية المعلى: أن التحميد يقع في حالة القومة وهي مسنونة، وسنة الذكر تختص بالفرائض والواجبات كالتشهد في القعدة الأولى; ولهذا لم يشرع في القعدة بين السجدتين.

[ ص: 293 ] وجه رواية الحسن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما في حديث عائشة - رضي الله عنها - ولا محمل له سوى حالة الانفراد; ولهذا كان عمل الأمة على هذا; وما كان الله ليجمع أمة محمد - عليه السلام - على ضلالة.

التالي السابق


الخدمات العلمية