صفحة جزء
1427 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن الفضل ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن النبي - عليه السلام -: " كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد". .


ش: أي احتج الآخرون في قولهم: إن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد; بحديث علي بن أبي طالب هذا.

ولكن الاحتجاج به غير تام; لأنه ليس فيه دلالة على أنه - عليه السلام - كان يقول ذلك وهو إمام، والدعوى لا تقوم إلا بحجة تامة على ما يذكره الطحاوي عن قريب.

وهذا الإسناد بعينه مذكور في أول باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة، ولكن متن الحديث هناك: "كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ورفع يديه حذو منكبيه".

ثم أعاد هذا الإسناد بعينه في أول باب "التكبير للركوع" وزاد في المتن على ما ذكرنا: "ويصنع مثل ذلك -إذا قضى قراءته- إذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا فرغ ورفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر".

ثم أعاد هذا الإسناد بعينه في أول باب "ما ينبغي أن يقال في الركوع والسجود" ومتن الحديث هناك: "كان رسول الله - عليه السلام - يقول وهو راكع: اللهم لك ركعت -إلى قوله-: فتبارك الله أحسن الخالقين".

فكل ذلك حديث واحد، وتقطيعه إياه بحسب التبويب.

[ ص: 294 ] وقد ذكرنا في باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة" أن أبا داود أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد.

وأخرج الترمذي : عن محمود بن غيلان، قال: نا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، قال: حدثني عمي، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - عليه السلام - إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد".

قال أبو عيسى: حديث علي حديث حسن صحيح.

قوله: "ملء السماوات" بنصب الهمزة ورفعها، والنصب أشهر، وهو الذي اختاره ابن خالويه ورجحه، وأطنب في الاستدلال له، وجوز الرفع على أنه مرجوح. وحكي عن الزجاج: أنه يتعين الرفع، ولا يجوز غيره، وبالغ في إنكار النصب.

قلت: أما انتصابه: فعلى أنه صفة لمصدر محذوف، أي: حمدا ملء السماوات والأرض، وأما الرفع: فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ملء السموات والأرض، ثم الملء -بكسر الميم-: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، والملء -بالفتح- مصدر ملأت الإناء فهو مملوء، ودلو ملأى على فعلى، وكوز ملآن ماء، والعامة تقول: مليء ماء. وها هنا بكسر الميم.

وفيه: إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود; فإنه - عليه السلام - حمده ملء السماوات والأرض وهذه نهاية أقدام السابقين، وهذا تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمات أجساما تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السماوات والأرض.

[ ص: 295 ] قوله: "وملء ما شئت من شيء بعد" إشارة إلى أن حمد الله أعز من أن يحترزه الحسبان أو يكتنفه الزمان والمكان، فأحال الأمر على المشيئة، وليس وراء ذلك الحمد منتهى، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه; وبهذه الرتبة استحق أن يسمى أحمد; لأنه كان أحمد من سواه.

وقوله: "بعد" مبني على الضم; لأنه قطع عن الإضافة فبني على الضم.

واحتج الشافعي به على أن المصلي يقول هذا سواء كان في المكتوبة أو التطوع.

وقال الترمذي عقيب ذكره هذا الحديث: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي، قال: يقول هذا في المكتوبة والتطوع، وقال بعض أهل الكوفة: يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقولها في صلاة المكتوبة.

قلت: وبه قال أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية