صفحة جزء
1464 1465 1466 [ ص: 334 ] ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذه الآثار المروية في القنوت قد رويت على ما ذكرنا، فكان أحد من روي ذلك عنه عبد الله بن مسعود، قد روينا عنه فيها: "أن النبي - عليه السلام - قنت ثلاثين يوما" فكان قد ثبت عنده قنوت رسول الله - عليه السلام - وعلمه.

ثم وجدنا عنه ما قد حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا شريك ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لم يقنت النبي - عليه السلام - إلا شهرا، لم يقنت قبله ولا بعده".

حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا المقدمي ، قال: ثنا أبو معشر -يعني البراء- قال: ثنا أبو حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا يدعو على عصية وذكوان، فلما ظهر عليهم ترك القنوت"، . وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة.

قال أبو جعفر: : فهذا عبد الله بن مسعود يخبر أن قنوت النبي - عليه السلام - الذي كان، إنما كان من أجل من كان يدعو عليه، وأنه قد كان ترك ذلك فصار القنوت عنده منسوخا، فلم يكن هو من بعد رسول الله - عليه السلام - يقنت.


ش: أي وكان من الحجة والبرهان للجماعة الأخرى فيما ذهبوا إليه من ترك القنوت في صلاة الفجر أصلا، لا قبل الركوع ولا بعده، أن هذه الأحاديث المروية وهي أحاديث عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وخفاف بن إيماء والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبي هريرة - رضي الله عنهم -، قد رويت على ما ذكرنا من القنوت في الفجر.

وتقرير الكلام أن يقال: إنا لا ننازع أن هذه الأحاديث قد رويت على نحو ما ذكرنا، ولكن كل واحد له معنى، ومعاني الكل ترجع إلى معنى واحد، وهو انتساخ القنوت في الفجر، بيان ذلك: أن أحد الرواة في ذلك عبد الله بن مسعود; لأنه قد روى عنه علقمة أنه قال: "قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين [يوما] ". ثم روى عنه علقمة أيضا أنه قال: "لم يقنت النبي - عليه السلام - إلا شهرا، لم يقنت قبله ولا بعده".

[ ص: 335 ] وأخرجه الطحاوي عن فهد بن سليمان ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل الكوفي شيخ البخاري ، عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن أبي حمزة -بالحاء المهملة، والزاي المعجمة- محمد بن ميمون السكري ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس، عنه.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا يوسف بن موسى، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا شريك ... إلى آخره نحوه.

وروى علقمة عنه أيضا أنه قال: "قنت رسول الله - عليه السلام - شهرا يدعو على عصية وذكوان، فلما ظهر عليهم ترك القنوت، وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة".

أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن محمد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي شيخ الأربعة ، عن أبي معشر يوسف بن يزيد العطار البصري البراء -بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المهملة- سمي به لأنه كان يبري النبل، وقيل: كان يبري العود، عن أبي حمزة محمد بن ميمون ... إلى آخره.

وهذا أيضا إسناد صحيح.

وأخرجه السراج في "مسنده": ثنا داود بن رشيد، نا حسان بن إبراهيم ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود قال: "ما قنت النبي - عليه السلام - قط في صلاة الغداة إلا ثلاثين ليلة، يدعو على نجد من بني سليم، ثم تركه بعد".

فهذا عبد الله - رضي الله عنه - يخبر أن قنوت النبي - عليه السلام - الذي كان يقنت إنما كان لأجل من كان يدعو عليه، وأنه قد كان ترك ذلك، يدل عليه قوله: "فلما ظهر عليهم" أي فلما غلب عليهم وانتصر ترك القنوت، فدل ذلك على انتساخ ما كان منه من القنوت; [ ص: 336 ] لأن الحكم ينتهي بانتهاء علته، ولذلك كان ابن مسعود - رضي الله عنه - لم يقنت من بعد رسول الله - عليه السلام - في صلاة الفجر.

وقال الطبراني في "الكبير" : ثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة والأسود: "أن ابن مسعود كان لا يقنت في صلاة الغداة".

وهذا إسناد صحيح في غاية الصحة.

وقال أيضا : ثنا فضيل بن محمد الملطي، ثنا أبو نعيم، نا أبو العميس، حدثني عبد الرحمن بن الأسود قال: "كان عبد الله لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قبل الركعة".

ثنا محمد بن النضر الأزدي، نا معاوية بن عمرو، نا زائدة، ثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن إبراهيم قال: "لم يكن عبد الله بن مسعود يقنت في صلاة الغداة".

ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال، ثنا حماد ، عن أبي حمزة، عن ابن مسعود: "أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع، ولا يقنت في صلاة الفجر". انتهى.

فهذا كله دليل على ثبوت نسخ القنوت في الفجر عنده، إذ لو لم يثبت لما وسعه تركه على ما لا يخفى.

فإن قيل: يمكن أن يكون القنوت خفي عليه كما خفي عليه وضع الأيدي على الركب في الركوع، حتى ثبت على القول بالتطبيق إلى أن مات.

قلت: كيف يخفى عليه ذلك؟ والحال أنه قد روى أنه - عليه السلام - قنت، ولو لم يكن يروي شيئا فيه لأمكن ذلك كما في مسألة التطبيق، فإنه ما روى عنه - عليه السلام - غير التطبيق، وما [ ص: 337 ] روى غيره من غير التطبيق لم يبلغه، بخلاف مسألة القنوت، بل علم ذلك من الرسول - عليه السلام - وروى عنه، ثم علم انتساخه.

وقد روى أبو حنيفة أيضا في "مسنده" : عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال: "لم يقنت رسول الله - عليه السلام - إلا شهرا، حارب حيا من المشركين، فقنت يدعو عليهم".

وفي "المحلى" : وروينا عن ابن عباس أنه لم يقنت.

وعن عبد الرزاق ، عن معمر أن الزهري كان يقول: "من أين أخذ الناس القنوت؟! وتعجب، إنما قنت رسول الله - عليه السلام - أياما ثم ترك ذلك" قال أبو محمد: فهذا الزهري جهل القنوت ورآه منسوخا.

وقال ابن أبي نجيح: "سألت سالما هل كان عمر يقنت في صلاة الصبح؟ قال: لا إنما هو شيء أحدثه الناس".

وفي "المنتقى" لابن عبد البر: عن ابن عمر وطاوس: "القنوت في الفجر بدعة".

التالي السابق


الخدمات العلمية