صفحة جزء
1669 ص: حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا بشر بن بكر ، قال: ثنا الأوزاعي ، قال: حدثني المطلب بن عبد الله المخزومي: "أن رجلا سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الوتر ، فأمره أن يفصل. فقال الرجل: إني أخاف أن يقول الناس: هي البتيراء. فقال ابن عمر: تريد سنة الله وسنة رسوله؟ هذه سنة الله وسنة رسوله".


ش: ذكره أيضا دليلا على ما قاله من أن المراد من قوله - عليه السلام -: "فأوتر بواحدة" يعني مع شيء تقدمها، وإن كان لا يدل على أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة في آخرها; وذلك لأنه لم يقصد من ذكره ها هنا إلا المعنى الذي ذكره.

وأخرجه عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن بشر بن بكر التنيسي البجلي وثقه أبو زرعة وآخرون وروى له البخاري ، عن الأوزاعي وهو عبد الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي المدني، وثقه أبو زرعة والدارقطني، وقال محمد بن سعد: كان كثير الحديث وليس يحتج بحديثه; لأنه يرسل عن النبي - عليه السلام - كثيرا وليس له لقي، وعامة أصحابه يدلسون.

قلت: مثل الأوزاعي روى عنه، واحتجت به الأربعة ويكفي هذا في الاحتجاج بحديثه.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا الأوزاعي ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: "سأل رجل ابن عمر عن الوتر، فقال: أوتر بواحدة. فقال الرجل: إني أخشى أن يقول الناس إنها البتيراء. قال: سنة الله وسنة رسوله تريد؟ هذه سنة الله وسنة رسوله - عليه السلام -".

[ ص: 23 ] وأخرجه البيهقي : عن أحمد بن عيسى، نا عمرو بن أبي سلمة ، عن الأوزاعي، حدثني المطلب بن عبد الله فقال: "أتى ابن عمر رجل فقال: كيف أوتر؟ قال: أوتر بواحدة. قال: إني أخشى أن يقول الناس إنها البتيراء. قال: أسنة الله ورسوله تريد؟ هذه سنة الله ورسوله".

وقال الذهبي: أحمد بن عيسى التنيسي الخشاب تالف. انتهى.

و"البتيراء" على وزن فعيلاء وهو مصغر بتراء مؤنث أبتر من البتر وهو القطع، وقد جاء من غير تصغير في حديث زياد أنه قال في خطبته: "البتراء".

وإنما قيل هكذا; لأنه لم يذكر فيها الله -عز وجل-، ولا صلى فيها على النبي - عليه السلام -.

ومعناه الشرعي ما قاله ابن الأثير في "النهاية": البتيراء هو أن يوتر بركعة واحدة، وقيل: هو الذي شرع في ركعتين فأتم الأولى ثم قطع الثانية، ثم قال: ومنه حديث سعد: "أنه أوتر بركعة فأنكر عليه ابن مسعود وقال: ما هذه البتيراء".

قلت: فدل ذلك أن ابن مسعود - رضي الله عنه - يرى أن البتيراء هو الإيتار بركعة واحدة، وأما ابن عمر - رضي الله عنهما - فإنه قد فسر البتيراء نحو القول الأول.

وأخرج البيهقي : عن الحاكم، قال: أنا الأصم، نا الصغاني، نا إسحاق بن إبراهيم الرازي، ثنا سلمة الأبرش، نا ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص قال: "سألت ابن عمر عن وتر الليل، فقال: يا بني هل تعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، المغرب. قال: صدقت، وتر الليل واحدة; بذلك أمر رسول الله - عليه السلام -. قلت: يا أبا عبد الرحمن، إن الناس يقولون: إن تلك البتيراء. قال: يا بني، ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة التامة في ركوعها وسجودها وقيامها ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعا ولا سجودا ولا قياما، فتلك البتيراء".

فإن قلت: هل ورد النهي عن البتيراء؟

[ ص: 24 ] قلت: روى أبو عمر في" التمهيد" : ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج، أبنا أبي، ثنا الحسن بن سليمان قبيطة، ثنا عثمان بن محمد بن ربيعة، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - عليه السلام - نهى عن البتيراء; أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها".

فإن قيل: قال ابن حزم في "المحلى" : ولم يصح عن النبي - عليه السلام - نهي عن البتيراء، ولا في الحديث على سقوطه بيان ما هي البتيراء.

قلت: تعلق ابن حزم بما قالوا: إن في إسناد حديث أبي سعيد الخدري عثمان بن محمد بن عثمان بن أبي عبد الرحمن، وهو ضعيف لقول العقيلي: الغالب على حديثه الوهم. وهذا تعلق لا طائل تحته; لأن أحدا غير العقيلي لم يتكلم فيه بشيء، وكلام العقيلي خفيف، ألا ترى أن الحاكم أخرج لعثمان بن محمد هذا في كتابه "المستدرك على الصحيحين"؟ وبقية الرجال ثقات.

أما شيخ أبي عمر: فهو عبد الله بن محمد بن يوسف، هو ابن الفرضي الإمام الثقة الحافظ.

وأما الحسن بن سليمان بن سلام الفزاري: فهو أبو علي الحافظ يعرف بقبيط، قال فيه ابن يونس: كان ثقة حافظا.

وأما الدراوردي: فإن الجماعة أخرجوا له، غير أن البخاري أخرج له مقرونا بغيره.

وأما عمرو بن يحيى بن سعيد أبو أمية المكي: فإن البخاري روى له، وأما أبوه

[ ص: 25 ] يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص بن أمية القرشي أبو أيوب المدني: فإن مسلما روى له.

فحينئذ يكون هذا الحديث صحيحا ولا سيما على شرط الحاكم وقد قال صاحب "الهداية" في باب سجود السهو: لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - عليه السلام - عن البتيراء. وأراد به الحديث المذكور.

التالي السابق


الخدمات العلمية