صفحة جزء
1699 1700 1701 1702 1703 1704 ص: وقد رويت عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك آثار يعود معناها أيضا إلى المعنى الذي عاد إليه معنى حديث عائشة - رضي الله عنها -، فمن ذلك:

ما حدثنا ابن مرزوق وأبو بكرة، قالا: ثنا وهب ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس قال: " كان النبي - عليه السلام - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة".

حدثنا ابن خزيمة ، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا وهيب بن خالد ، عن عبد الله بن طاوس ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عباس: " أنه بات عند خالته

[ ص: 64 ] ميمونة ، - رضي الله عنهما -، فقام النبي - عليه السلام - يصلي من الليل، فقمت، فتوضأت، ثم قمت عن يساره، فجذبني فأدارني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة; قيامه فيهن سواء".
.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال: سمعت كريبا يحدث عن ابن عباس فذكر مثله، وقال: " فتكاملت صلاة النبي - عليه السلام - ثلاث عشرة ركعة". .

فقد اتفق هذا الحديث وحديث عائشة في جملة صلاته أنها كانت ثلاث عشرة ركعة،. إلا أنه لا تفصيل في حديث ابن عباس، فأردنا أن ننظر; هل روي عن ابن عباس في تفصيل ذلك شيء؟

فنظرنا في ذلك، فإذا علي بن معبد قد حدثنا، قال: ثنا شبابة بن سوار ، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن المنهال بن عمرو ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه قال: " أمرني العباس أن أبيت بآل النبي - عليه السلام - وتقدم إلي: أن لا تنام حتى تحفظ لي صلاة رسول الله - عليه السلام - قال: فصليت مع النبي - عليه السلام - العشاء، ثم نام، ثم قام فبال، ثم توضأ، ثم صلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا بقصيرتين، ثم عاد إلى فراشه، ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم استوى، وفعل مثل ذلك حتى صلى ست ركعات، وأوتر بثلاث".

حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا أبو الوليد ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، قال: ثنا أبي ، عن ابن عباس مثله.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم ، قال: أخبرني حصين ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - عليه السلام - مثله، غير أنه قال: "ثم أوتر"، ولم يقل: "بثلاث".

[ ص: 65 ] فأخبر علي بن عبد الله بن عباس بوتر النبي - عليه السلام - كيف كان في صلاته تلك وأنه ثلاث، وخالف أبا جمرة 5 وعكرمة بن خالد 5 وكريبا في عدد التطوع.


ش: أشار بهذا إلى أنه رويت أحاديث عن عبد الله بن عباس في صلاته - عليه السلام - من الليل، إذا كشفت يكون معناها كمعنى أحاديث عائشة المذكورة فيما مضى.

ثم أخرج عن أبي جمرة ، وعكرمة بن خالد ، وكريب ، عن ابن عباس: "أنه - عليه السلام - كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة".

أما حديث أبي جمرة فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق ، وأبي بكرة بكار القاضي، كلاهما عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي جمرة -بالجيم والراء المهملة- اسمه نصر بن عمران الضبعي البصري ، عن ابن عباس .

وأخرجه البخاري : ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى ، عن شعبة، قال: حدثني أبو جمرة ، عن ابن عباس قال: "كان صلاة النبي - عليه السلام - ثلاث عشرة ركعة، يعني بالليل".

وأخرجه مسلم أيضا.

وأما حديث عكرمة: فأخرجه عن محمد بن خزيمة ، عن معلى بن أسد العمي البصري شيخ البخاري ، عن وهيب بن خالد البصري روى له الجماعة، عن عبد الله بن طاوس روى له الجماعة، عن عكرمة بن خالد بن العاص المكي، روى له الجماعة سوى ابن ماجه ، عن عبد الله بن عباس .

وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الله بن طاوس ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عباس: "أن النبي - عليه السلام - قام من الليل يصلي، فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره فجرني فأقامني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة قيامه فيهن سواء".

[ ص: 66 ] وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا.

ويستفاد منه أحكام:

فضيلة قيام الليل، والإمام إذا كان معه واحد يقيمه عن يمينه، والمستحب تسوية القراءة في ركعات النفل، وجواز إقامة النفل مع الجماعة، واستحباب ذلك في البيوت والمنازل.

وأما حديث كريب فأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن كريب ... إلى آخره.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده" : ثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت كريبا بن أبي مسلم يحدث، عن ابن عباس قال: "بت في بيت خالتي ميمونة، فرقبت رسول الله - عليه السلام -، قال: فنام ثم استيقظ فغسل وجهه وكفيه ثم نام، ثم استيقظ فقام إلى قربة فحل شناقها -يعني رباطها- ثم صب في جفنة -أو قصعة- فغسل كفيه ووجهه وتوضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين، ثم قام يصلي، فقمت عن يساره فأقامني عن يمينه، "فتكاملت صلاة رسول الله - عليه السلام - ثلاث عشرة ركعة، وكان يقول في سجوده -أو قال في صلاته، شك شعبة-: اللهم اجعل في سمعي نورا، وفي قلبي نورا، وفي بصري نورا، ومن فوقي نورا، ومن خلفي نورا، ومن أمامي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، واجعلني نورا- أو اجعل لي نورا، شك شعبة- ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرف نومه بنفخه، ثم خرج إلى الصلاة".

[ ص: 67 ] وحديث ابن عباس أخرجه الجماعة مطولا ومختصرا.

قوله: "فقد اتفق هذا الحديث" أي حديث ابن عباس الذي رواه عنه أولئك الثلاثة، وحديث عائشة المذكور فيما مضى; في جملة صلاته عليه السلام أنها كانت ثلاث عشرة ركعة، غير أنه لا تفصيل في حديث ابن عباس هذا كما جاء التفصيل في حديث عائشة، فنظرنا فيه هل نجد عنه حديثا فيه تفصيل كما في حديث عائشة؟ فوجدنا علي بن عبد الله بن عباس قد روى عن أبيه عبد الله بن عباس حديثا فيه تفصيل كما في حديث عائشة.

أخرج ذلك من ثلاث طرق صحاح.

الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري شيخ النسائي أيضا، عن شبابة بن سوار الفزاري أبي عمرو المدائني ، عن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي ، عن المنهال بن عمرو الأسدي الكوفي ، عن علي بن عبد الله بن عباس روى له الجماعة، البخاري في غير الصحيح.

وأخرجه الطبراني في الكبير : ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا يونس بن أبي إسحاق، ثنا المنهال بن عمرو، ثنا علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه قال: "أمرني العباس بن عبد المطلب قال: بت إلى رسول الله - عليه السلام -، فانطلقت إلى المسجد، فصلى رسول الله - عليه السلام - بالناس صلاة العشاء الآخرة، ثم صلى بعدها حتى لم يبق في المسجد أحد غيري، قال: ثم مر بي فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله. قال: فمه؟ قلت: أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة، قال: فالحق. قال: فلما انصرف دخل فقال: أفرشوا عبد الله، فأتيت بوسادة من منسوج، قال: وتقدم إلي العباس: لا تنم حتى تحفظ صلاته. قال: فتقدم رسول الله - عليه السلام - فنام حتى سمعت غطيطه،

[ ص: 68 ] فاستوى على فراشه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها إن في خلق السماوات والأرض ثم قام ثم استن بسواكه وتوضأ، ثم دخل في مصلاه فصلى ركعتين ليستا بقصيرتين ولا طويلتين، ثم عاد إلى فراشه فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه ففعل كما فعل في المرة الأولى، ثم استن بسواكه، ثم توضأ، ثم دخل مصلاه فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، ثم عاد إلى فراشه فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه ففعل كما فعل، ثم صلى ثم أوتر، فلما قضى صلاته سمعته يقول: اللهم اجعل في بصري نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في لساني نورا، واجعل في قلبي نورا، واجعل عن يميني نورا، واجعل عن شمالي نورا، واجعل لي من أمامي نورا، واجعل من خلفي نورا، واجعل من فوقي نورا، واجعل من أسفلي نورا، واجعل لي يوم القيامة نورا، وأعظم لي نورا".


قوله: "أن أبيت بآل النبي - عليه السلام -" أي بأهله، أراد به أن يبيت في بيت النبي - عليه السلام -; ليحفظ صلاته، كيف يصلي؟

قوله: "غطيطه" وهو صوت يخرجه النائم مع نفسه، والخطيط -بالخاء المعجمة- قريب من الغطيط، والغين والخاء المعجمتان متقاربتان في المخرج، يقال: خط في نومه يخط: بمنزلة غط، وقال بعضهم: الخطيط -بالخاء- لا يعرف.

فإن قيل: كيف يتفق هذا الحديث مع حديث عائشة في كون صلاته - عليه السلام - ثلاث عشرة ركعة؟

قلت: يتفق معه لأن فيه ركعتين أولا، ثم ست ركعات، ثم الوتر ثلاث ركعات، فالجملة إحدى عشرة ركعة، ويضاف إليها ركعتا الفجر فصارت الجملة ثلاث عشرة ركعة.

[ ص: 69 ] الطريق الثاني: عن أحمد بن داود المكي ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عن حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه علي بن عبد الله ، عن عبد الله بن عباس .

ورجاله كلهم ثقات.

وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا هشام بن عبد الملك، نا أبو عوانة ، عن حصين ، عن حبيب بن أبي ثابت، أنه حدثه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه، قال: حدثني ابن عباس: "أنه بات عند النبي - عليه السلام - ، فاستيقظ من الليل فأخذ سواكه فاستاك به، ثم توضأ وهو يقول: إن في خلق السماوات والأرض حتى قرأ هذه الآيات، وانتهى عند آخر السورة، ثم صلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف حتى سمعت نفخة النوم، حتى استيقظ فاستاك وتوضأ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أوتر بثلاث، فأتى بلال المؤذن، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل في قلبي نورا، واجعل أمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل عن يميني نورا، وعن شمالي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، اللهم عظم لي نورا".

الطريق الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عن حبيب بن أبي ثابت ... إلى آخره. فذكر الحديث مثل المذكور غير أنه لم يقل: "ثم أوتر بثلاث"، بل قال: "ثم أوتر" فقط، فأخبر علي بن عبد الله بن عباس بوتر النبي - عليه السلام - كيف كان في صلاته وعين أنه ثلاث، والرواية التي ليس فيها ذكر الثلاث محمولة على الرواية التي فيها ذكر الثلاث، فافهم.

[ ص: 70 ] قوله: "وخالف أبا جمرة" أي خالف علي بن عبد الله في روايته عن أبيه; أبا جمرة نصر بن عمران وعكرمة بن خالد وكريبا مولى ابن عباس، في عدد تطوعه - عليه السلام - بالليل، وذلك لأن في رواية هؤلاء: "كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة"، وفي رواية علي بن عبد الله: "إحدى عشرة ركعة"، وقد ذكرنا أنا إذا أضفنا إلى هذه ركعتي الفجر تكون الجملة ثلاث عشرة ركعة، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية