صفحة جزء
1718 1719 1720 ص: فإن قال قائل: فقد روي عن ابن عباس خلاف هذا، فذكر ما حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء : قال: قال رجل لابن عباس: هل لك في معاوية أوتر بواحدة -وهو يريد أن يعيب معاوية- فقال ابن عباس: : أصاب معاوية".

قيل له: فقد روي عن ابن عباس في فعل معاوية هذا ما يدل على إنكاره عليه إياه; وذلك أن أبا غسان مالك بن يحيى الهمداني حدثنا، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال: أخبرنا عمران بن حدير ، عن عكرمة ، قال: " كنت مع ابن عباس عند معاوية نتحدث حتى ذهب هزيع من الليل، فقام معاوية ، فركع ركعة واحدة. فقال ابن عباس: : من أين ترى أخذها الحمار؟! ".

حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا عثمان بن عمر ، قال: ثنا عمران ، فذكر بإسناده مثله، إلا أنه لم يقل: "الحمار"، . ولا يجوز عليه أن يكون ما خالف فعل رسول الله - عليه السلام -

[ ص: 81 ] الذي قد علمه عنده صوابا، وقد يجوز أن يكون قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أصاب معاوية" " على التقية منه له يعني أصاب في شيء آخر; لأنه كان في زمنه.


ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم قلتم إن الوتر عند ابن عباس ثلاث; لأن أحاديثه إذا جمعت تدل على أنه - عليه السلام - كان يوتر بثلاث ركعات، ولكن ابن عباس كان يكره أن يوتر أحد وترا لم يتقدمه تطوع، فهذا ابن عباس قد روي عنه أنه استصوب فعل معاوية حين أوتر بركعة واحدة لم يتقدمها شيء حيث قال: "أصاب معاوية" .

أخرج ذلك عن محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني شيخ أبي داود والنسائي أيضا، عن الوليد بن مسلم الدمشقي ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عطاء بن أبي رباح .

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : ثنا هشيم، قال: أنا الحجاج ، عن عطاء: "أن معاوية أوتر بركعة فأنكر ذلك عليه، فسئل ابن عباس فقال: أصاب السنة".

وأخرجه البخاري في كتاب مناقب الصحابة في باب "ذكر معاوية" : ثنا ابن أبي مريم، ثنا نافع بن عمر، حدثني ابن أبي مليكة: "قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؟ قال: فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: أصاب; إنه فقيه".

وأخرجه البيهقي في "سننه" في باب "الوتر بركعة" من هذا الطريق.

وتقرير الجواب أن يقال: إنه قد روي أيضا عن ابن عباس ما يدل على أنه أنكر على معاوية في إيتاره بركعة واحدة.

أخرج ذلك من طريقين صحيحين على شرط مسلم:

أحدهما: عن أبي غسان مالك بن يحيى الهمداني ، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، عن عمران بن حدير السدوسي أبي عبيدة البصري ، عن عكرمة .

[ ص: 82 ] والآخر: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن عثمان بن عمر بن فارس البصري ، عن عمران بن حدير ... إلى آخره.

ولقد أنكر ابن عباس - رضي الله عنهما - على معاوية في إيتاره بركعة من غير أن يسبقه تطوع، ولو لم يكن ذلك مخالفا للسنة لما ساغ له الإنكار عليه، ولا يجوز على ابن عباس أن يكون ما خالف فعل الرسول - عليه السلام - الذي قد تحقق عنده صوابا.

قوله: "هزيع من الليل" بفتح الهاء وكسر الزاي المعجمة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره عين مهملة، ومعناه: طائفة من الليل، ربعه أو ثلثه.

قوله: "من أين ترى أخذها الحمار؟" فقوله "ترى" جملة معترضة بين كلمة الاستفهام والذي دخلت عليه.

وقوله: "الحمار" إشارة إلى شدة إنكاره عليه في إيتاره بركعة واحدة.

قوله: "وقد يجوز ... " إلى آخره، إشارة إلى جواب آخر، تقريره أن يقال: يجوز أن يكون معنى قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أصاب معاوية" على التقية منه له أي على اتقاء منه لأجل معاوية، يعني دفعا عنه ما يعيب به ذلك الرجل عليه حتى يمتنع من أن يعيب عليه، فقال: "أصاب" يعني أصاب في شيء آخر غير إيتاره بركعة واحدة، وهذا من باب الإيهام والتورية، وهو باب شائع ذائع.

وجواب آخر عندي وهو أن قوله: "أوتر بواحدة" لا يستلزم نفي كون ركعتين قد تقدمنا عليها، فيجوز أن يكون معاوية قد صلى ركعتين ثم أوتر بركعة أخرى ولم يقف المنكر عليه إلا على ما قد شاهد من إيتاره بالركعة الواحدة، ولم يحط علمه بما قد صلى قبلها، فيكون قول ابن عباس: "أصاب السنة" في كونه أوتر بركعة مع ركعتين قبلها، فافهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية