صفحة جزء
5 ص: فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا: لا ينجس الماء شيء وقع فيه إلا أن يغير لونه أو طعمه أو ريحه فأي ذلك إذا كان فقد نجس الماء.


ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي والليث بن سعد ومالكا وعبد الله بن وهب وإسماعيل بن إسحاق ومحمد بن بكير والحسن بن صالح وداود بن علي ومن [ ص: 63 ] تبعهم; فإنهم ذهبوا إلى هذه الآثار المذكورة وقالوا: لا ينجس الماء شيء وقع فيه ، وأرادوا به من النجاسة; لأن وقوع الشيء الطاهر لا ينجسه عندنا أيضا وإن غير بعض أوصافه، وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران : "أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن الماء الراكد الذي لا يجري تموت فيه الدابة أيشرب منه ويغتسل وتغسل منه الثياب؟ فقالا: انظر بعينك فإن رأيت ماء لا يدنسه ما وقع فيه فنرجو ألا يكون به بأس" .

قال: وأخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال: "كل ماء فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا لونه ولا ريحه فهو طاهر يتوضأ به" .

قال: وأخبرني عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة قال: "إذا وقعت الميتة في البئر فلم يتغير طعمها ولا لونها ولا ريحها; فلا بأس أن يتوضأ منها، وإن رؤيت فيها الميتة، قال: وإن تغيرت نزع منها قدر ما يذهب الرائحة عنها" هذا قول ابن وهب .

وقال القشيري "وهو الذي شهره العراقيون عن مالك فاشتهر".

وهو قول لأحمد ورجحه أيضا من أتباع الشافعي القاضي أبو المحاسن الروياني صاحب "بحر المذهب".

وفي "البدائع" ما ملخصه: أن الظاهرية استدلت بالآثار المذكورة أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلا، سواء أكان جاريا أم راكدا، وسواء أكان قليلا أم كثيرا، تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغير.

وقال ابن حزم في "المحلى": وممن روي عنه القول بمثل قولنا: "إن الماء لا ينجسه شيء" : عائشة أم المؤمنين وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن العباس والحسن بن علي بن أبي طالب وميمونة أم المؤمنين وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - والأسود بن يزيد وعبد الرحمن أخوه وعبد الرحمن بن أبي ليلى [ ص: 64 ] وسعيد بن جبير ومجاهد وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والحسن البصري وعكرمة وجابر بن زيد وعثمان البتي وغيرهم.

قوله: "فأي ذلك" إشارة إلى كل واحد من اللون والطعم والريح.

قوله: "فقد نجس الماء" بفتح النون وكسر الجيم وضمها.

التالي السابق


الخدمات العلمية